للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الرجلينِ، وتَوْهِينِ أَمْرِ الكافرِ، والإشارةُ إلى الإعراضِ عنه، انتهى، قال السهيلي: وانظرْ كيفَ نزلتِ الآيةُ بلفظِ الإخبارِ عن الغائبِ فقال: عَبَسَ وَتَوَلَّى ولم يقل: عَبَسْتَ وتولَّيْتَ، وهذا يُشْبِهُ حال العاتِب المُعْرِضِ، ثم أقبل عَلَيْهِ بمواجَهَةِ الخطابِ فقال: وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى الآية، عِلماً منْه سبحانه أنَّه لَمْ يَقْصِدْ بالإعراضِ عن ابن أم مكتوم إلا الرغبةَ في الخيرُ ودخولِ ذلكَ المشركِ في الإسلام إذ كان مثلُه يُسْلِم بإسلامِه بَشَرٌ كثيرٌ، فكلَّمَ نبيَّهُ حينَ ابتدأَ الكلامَ بِمَا يشبه كلامَ المُعْرِضِ عنه العاتِب له، ثم واجَهَهُ بالخطابِ تأنيسا له ع، انتهى، ثم قال تعالى: كَلَّا يا مُحَمَّدُ، ليسَ الأَمْرُ كما فعلتَ، إنَّ هذه السُّورَةَ أو القراءةَ أو المعاتبةَ تَذْكِرَةٌ، وعبارةُ الثعلبي: إن هذه السورةَ، وقيل: هذه الموعظةَ، وقال مقاتلٌ: آياتُ القرآن «١» تذكرةٌ، أي: مَوْعِظَةٌ وتَبْصِرةٌ للخلقِ، فَمَنْ شاءَ ذَكَرَهُ أي: اتَّعظَ بآي القرآن وبما وعظتُكَ/ وأدَّبتُكَ في هذه السورةِ، انتهى. - ص-:

ذَكَرَهُ ذكَّرَ الضمير لأنَّ التذكرةَ هي الذكرُ، انتهى.

[سورة عبس (٨٠) : الآيات ١٣ الى ١٦]

فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ (١٣) مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ (١٤) بِأَيْدِي سَفَرَةٍ (١٥) كِرامٍ بَرَرَةٍ (١٦)

وقوله تعالى: فِي صُحُفٍ متعلقٌ بقولهِ: إِنَّها تَذْكِرَةٌ وهذا يؤيد أن التذكرَة يراد بها جميعُ القرآن، والصحف هنا قيل إنه اللوحُ المحفوظُ: وقيلَ صحفُ الأنبياءِ المنزلةُ.

قال ابن عبَّاسٍ: السَّفَرَةُ هم الملائِكَةُ، لأنَّهم كَتَبةٌ يقال: سَفَرْتُ، أي: كتبتُ، ومنه السِّفْرُ، وقال ابن عباس أيضاً: الملائكةُ سَفَرةَ لأنهم يَسْفِرُونَ بينَ اللَّه وبين أنبيائه «٢» ، وفي البخاري: سَفَرةُ الملائكةِ [واحدُهم سَافِرٌ] «٣» ، سَفَرَتْ أصْلَحَتْ بينهم وجُعِلَتِ الملائكةُ إذا نزلت بوحي الله- عز وجل- وتأديته كالسَّفِيرِ الذي يُصْلِح بَيْنَ القوم، انتهى، قال ع «٤» : ومن اللفظةِ قول الشاعر: [الوافر]

وَمَا أَدَعُ السِّفَارَةَ بَيْنَ قَوْمِي ... وَمَا أسعى بِغِشٍّ إنْ مَشَيْتُ «٥»

والصُّحُفُ على هذا: صحفٌ عند الملائكة أو اللوح.


(١) ذكره البغوي في «معالم التنزيل» (٤/ ٤٤٧) .
(٢) أخرجه الطبري (١٢/ ٤٤٦) (٣٦٣٣٠) ، (٣٦٣٣٣) ، وذكره البغوي (٤/ ٤٤٧) ، وابن عطية (٥/ ٤٣٨) ، وابن كثير في «تفسيره» (٤/ ٤٧١) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (٦/ ٥١٩) ، وعزاه لابن أبي حاتم، وابن المنذر من طريق علي عن ابن عبّاس.
(٣) سقط في: د.
(٤) ينظر: «المحرر الوجيز» (٥/ ٤٣٨) .
(٥) ينظر: البيت في «البحر» (٨/ ٤١٧) ، و «المحرر الوجيز» (٥/ ٤٣٨) ، والقرطبي (١٩/ ١٤١) ، و «الدر المصون» (٦/ ٤٨٠) ، و «فتح القدير» (٥/ ٣٨٣) . [.....]

<<  <  ج: ص:  >  >>