للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في النارِ، ت: وهذا إنْ صَحَّ فلا [يُعْدَلُ] عنه، وقيل غير هذا، ولما ذَكَر تعالى وجوهَ أهلِ النار عَقَّبَ ذلك بذكرِ وجوه أهل الجنة ليبيَّنَ الفرقَ، وقولُه تعالى: لِسَعْيِها يريدُ لَعَمَلِهَا في الدنيا وطاعتها، والمعنى لِثَوابِ سَعْيِها والتَّنْعِيمُ عليه، ووصفَ سبحانَه الجنةَ بالعُلُوِّ وذلك يصحُّ من جهة المسَافَةِ والمكانِ، ومن جهة المكانة والمنزلة أيضا.

[سورة الغاشية (٨٨) : الآيات ١١ الى ١٣]

لا تَسْمَعُ فِيها لاغِيَةً (١١) فِيها عَيْنٌ جارِيَةٌ (١٢) فِيها سُرُرٌ مَرْفُوعَةٌ (١٣)

لاَّ تَسْمَعُ فِيها لاغِيَةً قيل: المعنى كلمةُ لاغيةٌ، وقيل جماعةٌ لاغية، أو فِئَة لاغيةٌ، واللَّغوُ سَقَطُ القَوْلِ، قال الفخر «١» : قوله تعالى: فِيها سُرُرٌ مَرْفُوعَةٌ أي عاليَة في الهواء وذلك لأجل أن يَرَى المؤمن إذا جلسَ عليها جميعَ ما أعطاه اللَّه تعالى في الجنةِ من النعيمِ والمُلْكِ، قال خارجة بن مصعب: بلغَنَا أن بعضَها فَوقَ بعضٍ فترتفعُ ما شاءَ اللَّه فإذا جَاء وليُّ اللَّهِ ليجلسَ عليها تَطَامَنَتْ له فإذا استَوَى عليهَا ارْتَفَعَتْ إلى حيثُ شاءَ اللَّه سبحانه، انتهى.

[سورة الغاشية (٨٨) : الآيات ١٤ الى ٢٢]

وَأَكْوابٌ مَوْضُوعَةٌ (١٤) وَنَمارِقُ مَصْفُوفَةٌ (١٥) وَزَرابِيُّ مَبْثُوثَةٌ (١٦) أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ (١٧) وَإِلَى السَّماءِ كَيْفَ رُفِعَتْ (١٨)

وَإِلَى الْجِبالِ كَيْفَ نُصِبَتْ (١٩) وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ (٢٠) فَذَكِّرْ إِنَّما أَنْتَ مُذَكِّرٌ (٢١) لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ (٢٢)

وَأَكْوابٌ مَوْضُوعَةٌ أي: بِأَشْرِبتِها مُعَدَّةٌ، والنَمْرَقَةُ: الوسادةُ، والزَّرَابِيُّ: واحدها زُرْبِيَّةٌ، وهي كالطَّنَافِسِ لها خَمْلٌ قاله الفراء «٢» ، وهي ملوّنات ومَبْثُوثَةٌ معناه كثيرةٌ متفرقة، ثم وقفَهم سبحانه على مواضع العبرة في مخلوقاته، والْإِبِلِ في هذه الآيةِ هي الجِمالُ المعروفةُ هذا قول الجمهور، وفي الجَمَلِ آياتٌ وعبر لِمَن تَأمَّلَ، / وكان شُرَيْحُ القاضي يقول لأصحَابِهِ: اخْرُجُوا بنا إلى الكِنَاسَةِ، حتى ننظرَ إلى الإبل كيف خلقتْ «٣» ، وقال المبردُ: الإبلُ هُنَا السحابُ لأَنَّ العربَ قد تسميها بذلك، إذ تأتي أرسالا كالإبل، ونُصِبَتْ: معناه: أُثْبِتَتْ قائِمَةً في الهواءِ، وظاهرُ الآية أنّ الأرْضَ سَطْحٌ لا كرةٌ «٤» ، وهو الذي عليه أهلُ العلمِ، وقد تقدم الكلامُ على هذا المعنى، ثم نَفَى أن يكونَ النبي صلّى الله عليه وسلّم مُصَيْطِراً على الناسِ، أي: قاهرًا جابراً لهم مع تكبّر متسلّطا عليهم.


(١) ينظر: «الفخر الرازي» (٣١/ ١٤٢) .
(٢) ذكره البغوي (٤/ ٤٧٩) ، وابن عطية (٥/ ٤٧٤) .
(٣) أخرجه الطبري (١٢/ ٥٥٦) ، (٣٧٠٤٤) ، وذكره البغوي (٤/ ٤٨٠) ، وابن عطية (٥/ ٤٧٤) ، وابن كثير في «تفسيره» (٤/ ٥٠٣) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (٦/ ٥٧٥) ، وعزاه لابن حميد عن شريح بنحوه.
(٤) وهو الذي تراه العين ظاهرا، ولا يخفى أن حقيقة الأرض بيضاوية. [.....]

<<  <  ج: ص:  >  >>