للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والربيع، وقتادة: بِرُوحِ الْقُدُسِ: جبريلُ- عليه السلام «١» - وهذا أصحُّ الأقوال، وقد قال النبيّ صلّى الله عليه وسلم لِحَسَّان: «اهج قُرَيْشاً، وَرُوحُ القُدُسِ مَعكَ» «٢» ومرةً قال له: «وجبريل معك» ، وفَكُلَّما: ظرف والعامل فيه: اسْتَكْبَرْتُمْ، وظاهر الكلامِ الاستفهامُ، ومعناه التوبيخُ روي أن بني إِسرائيل كانوا يقتلون في اليومِ ثلاثمائة نبيٍّ، ثم تقوم سوقُهم آخر النهار، وروي سبعين نبيًّا، ثم تقومُ سوق بَقْلِهِمْ آخر النهار.

والهوى أكثر ما يستعمل فيما ليس بحقٍّ، وهو في هذه الآية من ذلك لأنهم إنما كانوا يَهْوَوْنَ الشهوات، ومعنى: قُلُوبُنا غُلْفٌ، أي: عليها غشاوات، فهي لا تفقه، قاله ابن عبَّاس. ثم بيَّن تعالى سبب نُفُورهم عن الإِيمان إِنما هو أنهم لُعِنُوا بما تقدَّم من كفرِهِم واجترامهم، وهذا هو الجزاء على الذنْبِ بذنْب أعظم منه، واللعن: الإبعاد والطرد.

وفَقَلِيلًا: نعتٌ لمصدرٍ محذوفٍ، تقديره: فإِيماناً قَلِيلاً مَّا يؤمنون، والضمير في «يؤمنون» لحاضري محمّد صلّى الله عليه وسلم منْهُمْ ومَا في قوله: مَّا يُؤْمِنُونَ زائدةٌ موكّدة «٣» .


(١) أخرجه الطبري (١/ ٤٤٨) بأرقام (١٤٨٨- ١٤٨٩- ١٤٩٠- ١٤٩١) عن قتادة، والسدي، والضحاك، والربيع.
(٢) أخرجه البخاري (٦/ ٣٥١) كتاب «بدء الخلق» ، باب ذكر الملائكة، حديث (٣٢١٣) ، (٧/ ٤٨٠) كتاب «المغازي» ، باب مرجع النبي صلّى الله عليه وسلم من الأحزاب، حديث (٤١٢٣، ٤١٢٤) ، (١٠/ ٥٦٢) كتاب «الأدب» ، باب هجاء المشركين، حديث (٦١٥٣) ، ومسلم (٤/ ١٩٣٣) كتاب «فضائل الصحابة» ، باب فضائل حسابن بن ثابت، حديث (١٥٣/ ٢٤٨٦) ، وأحمد (٤/ ٢٩٩، ٣٠٢) ، وابن حبان (٧١٤٦) ، والطحاوي في «شرح معاني الآثار» (٤/ ٢٩٨) ، والبيهقي (١٠/ ٢٣٧) ، والطبراني في «الكبير» (٣٥٨٨، ٣٥٨٩، ٣٥٩٠) كلهم من طريق عدي بن ثابت عن البراء بن عازب به.
(٣) قال السمين الحلبي: في نصب «قليلا» ستة أوجه:
أحدها وهو الأظهر: أنه نعت لمصدر محذوف أي: فإيمانا قليلا يؤمنون.
الثاني: أنه حال من ضمير ذلك المصدر المحذوف أي: فيؤمنونه أي الإيمان في حال قلّته، وقد تقدّم أنه مذهب سيبويه وتقدّم تقريره.
الثالث: أنه صفة لزمان محذوف، أي: فزمانا قليلا يؤمنون، وهو كقوله: آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهارِ وَاكْفُرُوا آخِرَهُ.
الرابع: أنه على إسقاط الخافض والأصل: فبقليل يؤمنون، فلمّا حذف حرف الجرّ انتصب، ويعزى لأبي عبيدة.
الخامس: أن يكون حالا من فاعل «يؤمنون» ، أي فجمعا قليلا يؤمنون أي المؤمن فيهم قليل، قال معناه ابن عباس وقتادة. إلا أن المهدوي قال: «ذهب قتادة إلى أنّ المعنى: فقليل منهم من يؤمن» ، وأنكره النحويون، وقالوا: لو كان كذلك للزم رفع «قليل» . قلت: لا يلزم الرفع مع القول بالمعنى الذي ذهب إليه قتادة لما تقدّم من أنّ نصبه على الحال واف بهذا المعنى. و «ما» على هذه الأقوال كلها مزيدة للتأكيد. -

<<  <  ج: ص:  >  >>