للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والمقاوم، قال مجاهد، وقتادة: المراد بالأنداد: الأوثانُ «١» كَحُبِّ اللَّهِ، أي: كحبِّكم للَّه، أو كحبِّهم حسبما قَدَّر كلَّ وجه منْها فرقةٌ، ومعنى: كَحُبِّهِمْ، أي: يسوُّون بين محبَّة اللَّه، ومحبَّة الأوثان، ثم أخبر أن المؤمنين أشدُّ حبًّا للَّه، لإِخلاصهم، وتيقُّنهم الحق.

وقوله تعالى: وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا، أي: ولو ترى، يا محمَّد، الذين ظلموا في حال رؤيتهمُ العذابَ، وفزعهم منْه، واستعظامِهِمْ له، لأقرُّوا أن القوة للَّه، أو لعلمتَ أنَّ القوَّة للَّه جميعاً، فجواب «لَوْ» : مضمَرٌ على التقديرين «٢» ، وقد كان النبيّ صلّى الله عليه وسلم/ علم


(١) أخرجه الطبري (٢/ ٧١) برقم (٢٤١٤- ٢٤١٥) بإسنادين مختلفين أحدهما: عن قتادة، ومجاهد بلفظ:
«من الكفار لأوثانهم» . وذكره ابن عطية (١/ ٢٣٤) والسيوطي في «الدر» (١/ ٣٠٣- ٣٠٤) .
(٢) جواب «لو» محذوف، واختلف في تقديره، ولا يظهر ذلك إلا بعد ذكر القراءات الواردة في ألفاظ هذه الآية الكريمة: قرأ ابن عامر ونافع: «ولو ترى» بتاء الخطاب، «أن القوة» و «أن الله» بفتحهما، وقرأ ابن عامر: «إذ يرون» بضم الياء، والباقون بفتحهما. وقرأ ابن كثير وأبو عمرو والكوفيون: «ولو يرى» بياء الغيبة، «أنّ القوة» و «أنّ الله» بفتحهما، وقرأ الحسن وقتادة وشيبة ويعقوب وأبو جعفر: «ولو ترى» بالخطاب، «إنّ القوة» و «إن الله» بكسرهما، وقرأت طائفة: «ولو يرى» بياء الغيبة، «إن القوة» و «إن الله» بكسرهما. إذا تقرّر ذلك فقد اختلفوا في تقدير جواب لو، فمنهم من قدّره قبل قوله: «أن القوة» ومنهم من قدّره بعد قوله: «وأنّ الله شديد العذاب» وهو قول أبي الحسن الأخفش والمبرد. أمّا من قدّره قبل «أنّ القوة» فيكون «أنّ القوة» معمولا لذلك الجواب. وتقديره على قراءة ترى- بالخطاب- وفتح أنّ وأنّ: لعلمت أيها السامع أنّ القوة لله جميعا، والمراد بهذا الخطاب: إمّا النبيّ عليه السلام وإمّا كلّ سامع. وعلى قراءة الكسر في «إنّ» يكون التقدير: لقلت إنّ القوة لله جميعا، والخلاف في المراد بالخطاب كما تقدّم، أو كون التقدير: لاستعظمت حالهم، وإنما كسرت «إنّ» لأنّ فيها معنى التعليل نحو قولك: لو قدمت على زيد لأحسن إليك إنّه مكرم للضّيفان، فقولك: «إنه مكرم للضّيفان» علّة لقولك:
«أحسن إليك» .
وقال ابن عطية: «تقديره: ولو ترى الذين ظلموا في حال رؤيتهم العذاب وفزعهم منه واستعظامهم له لأقرّوا أنّ القوة لله جميعا» .
وناقشه الشيخ فقال: «كان ينبغي أن يقول: في وقت رؤيتهم العذاب فيأتي بمرادف «إذ» وهو الوقت لا الحال، وأيضا فتقديره لجواب «لو» غير مرتّب على ما يلي «لو» لأنّ رؤية السامع أو النبي عليه السلام الظالمين في وقت رؤيتهم لا يترتّب عليها إقرارهم بأنّ القوة لله جميعا، وهو نظير قولك: «يا زيد لو ترى عمرا في وقت ضربه لأقرّ أنّ الله قادر عليه» فإقراره بقدرة الله ليست مترتبة على رؤية زيد. انتهى.
وتقديره على قراءة «يرى» بالغيبة: لعلموا أن القوة، إنّ كان فاعل «يرى» «الذين ظلموا» ، وإن كان ضميرا يعود على السامع فيقدّر: لعلم أنّ القوة.
وأمّا من قدّره بعد قوله: شديد العذاب فتقديره على قراءة «ترى» بالخطاب: لاستعظمت ما حلّ بهم، ويكون فتح «أنّ» على أنه مفعول من أجله، أي: لأنّ القوة لله جميعا، وكسرها على معنى التعليل نحو:
«أكرم زيدا إنه عالم، وأهن عمرا إنّه جاهل» ، أو تكون جملة معترضة بين «لو» وجوابها المحذوف.
وتقديره على قراءة «ولو يرى» بالغيبة إن كان فاعل «يرى» ضمير السامع: لاستعظم ذلك، وإنّ كان فاعله-

<<  <  ج: ص:  >  >>