للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكانتِ العربُ قد جعل اللَّه لها الشهْرَ الحرامَ قِوَاماً تعتدلُ عنده، فكانت لا تسفكُ دماً، ولا تغيِّر في الأشهر الحرم، وهي ذُو القَعْدة، وذو الحجَّة، والمُحَرَّم ورَجَبٌ، وروى جابر بن عبد الله، أنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلم لَمْ يَكُنْ يَغْزُو فِيهَا إِلاَّ أَنْ يغزى، فذلكَ قولُهُ تعالى: قُلْ قِتالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ: مبتدأٌ مقطوعٌ ممَّا قبله، والخبرُ «أَكْبَرُ» ، ومعنى الآيةِ على قول الجمهورِ:

إِنكم يَا كُفَّار قُرَيْشٍ تَسْتَعْظِمُون علَيْنا القتالَ في الشَّهْرِ الحَرَام، وما تفْعَلُون أنْتُمْ من الصَّدِّ عن سبيلِ اللَّهِ لِمَنْ أراد الإِسلام، وكُفْرِكم بِاللَّه، وإِخراجِكُم أهْلَ المسْجد عنْه كما فعلتم برَسُولِ الله صلّى الله عليه وسلم وأصحابِهِ، أَكْبَرُ جُرْماً عند اللَّه.

قال الزُّهْرِيُّ ومجاهدٌ وغيرهما: قوله تعالى: قُلْ قِتالٌ فِيهِ كَبِيرٌ منسوخ.

ص: وسبيل الله: دينه «١»

، والْمَسْجِدِ: قراءة الجمهور بالخَفْض، قال المبرِّد، وتبعه ابن عطية «٢»

وغيره: هو معطوفٌ على سَبِيلِ اللَّهِ وردَّ بأنه حينئذٍ يكون متعلِّقاً ب «صَدّ» ، أي: وصَدّ عن سبيل اللَّهِ، وعن المسجدِ الحرامِ، فيلزم الفَصْلُ بين المصدر، وهو «صَدّ» وبين معموله، وهو «المسجد» بأجنبيٍّ، وهو: «وكُفْرٌ بِهِ» ، ولا يجوز.

وقيل: معطوفٌ على ضمير «بِهِ» ، أي: وكُفْرٌ بِهِ، وَبِالْمَسُجِدِ ورُدَّ بأن فيه عطفاً على الضمير المجرور من غير إعادة الخافض ولا يجوز عند جمهور البَصْرِيِّين، وأجازه الكوفيُّون، ويونُسُ «٣»

، وأبو الحَسَنِ والشَّلَوْبِينُ «٤»

، والمختار جوازه لكثرته سماعا ومنه


(١) أخرجه الطبري (٢/ ٣٦٢- ٣٦٣- ٣٦٥) برقم (٤٠٨٨) ، عن مجاهد، وبرقم (٤٠٨٩) ، (٤١٠١) عن الزهري، وذكره ابن عطية في «المحرر الوجيز» (١/ ٢٩٠) ، عن الزهري، ومجاهد.
وذكره أيضا السيوطي في «الدر المنثور» (١/ ٤٤٩) وعزاه للفريابي، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، عن مجاهد. وفي (١/ ٤٥٠) عزاه لعبد الرزاق، وأبي داود في «ناسخه» ، وابن جرير، وابن أبي حاتم، عن الزهري.
(٢) «المحرر الوجيز» (١/ ٢٩٠) .
(٣) يونس بن حبيب الضبّي بالولاء، البصريّ، أبو عبد الرحمن. قال السّيرافيّ: بارع في النّحو، من أصحاب أبي عمرو بن العلاء، سمع من العرب، وروى عن سيبويه فأكثر، وله قياس في النّحو، ومذاهب يتفرّد بها. سمع منه الكسائيّ والفرّاء. وكانت له حلقة ب «البصرة» ينتابها أهل العلم وطلاب الأدب وفصحاء الأعراب والبادية. مولده سنة تسعين، ومات سنة ثنتين وثمانين ومائة. ينظر: «البغية» (٢/ ٣٦٥) . [.....]
(٤) عمر بن محمد بن عمر بن عبد الله، الأستاذ أبو عليّ الإشبيليّ، الأزديّ، المعروف بالشّلوبين، ومعناه بلغة الأندلس: «الأبيض الأشقر» . -

<<  <  ج: ص:  >  >>