للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ: خبر معناه الأمرُ على الوجوب لبَعْضِ الوالداتِ، وعلى الندْبِ لبعضهنَّ، فيجب على الأمِّ الإِرضاع، إِن كانَتْ تحت أبيه، أو رجعيَّةً، ولا مانع من عُلُوِّ قدْرٍ بغير أجر، وكذلك إِن كان الأبُ عديماً، أو لم يقبلِ الولَدُ غيرها.

وهذه الآياتُ في المطلَّقات جعَلَها اللَّه حدًّا عند اختلاف الزوجَيْن في مدَّة الرَّضَاع، فمَنْ دعا منهما إِلى إِكمالِ الحَوْلَيْنِ، فذلك له.

وقوله تعالى: لِمَنْ أَرادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضاعَةَ مبنيٌّ على أن الحولَيْن ليسا بفَرْض، لا يُتَجَاوَزُ، وانتزع مالِكٌ- رحمه اللَّه- وجماعةٌ من العلماء من هذه الآيةِ أنَّ الرضاعةَ المحرِّمة الجاريةَ مَجْرى النَّسَبِ، إِنما هي ما كان في الحولَيْن «١» لأنَّ بانقضاء الحولَيْنِ، تمَّتِ الرَّضَاعة، فلا رضَاعَة.

ت: فلو كان رضاعُه بعد الحولَيْن بمدَّة قريبة، وهو مستمرُّ الرضاعِ، أو بعد يومَيْن من فِصَالِهِ- اعتبر، إِذ ما قارب الشيْءَ فله حكمه. انتهى.

وقوله تعالى: وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ ... الآية: المولود له: اسم جنس،


(١) من شروط الرضاع المحرّم: ألا يبلغ الرضيع حولين كاملين يقينا في ابتداء الرضعة الخامسة، فلا أثر لرضاع من بلغها، ولو بيسير من الزمن، فإن شك في بلوغه وعدمه حرم لأن الشك لا أثر له مع اليقين الذي هو الأصل، وهو بقاء المدة، ولو بلغهما في أثناء الرضعة الخامسة حرم لكفاية ما وجد من هذه الرضعة في الحولين، ويعتبر الحولان بالأهلّة فإن انكسر الشهر الأول تمم ثلاثين يوما من الشهر الخامس والعشرين.
والسنة الهلالية، وهي القمرية ثلاثمائة وأربعة وخمسون يوما وخمس، وسدس من اليوم، والسنة الشمسية ثلاثمائة وخمسة وستون يوما وربع يوم، إلا جزءا من ثلاثمائة من اليوم، والفلكيون يعتبرونها ثلاثمائة وخمسة وستين يوما فقط إن كانت بسيطة، وستة وستين إن كانت كبيسة، والسنة العددية ثلاثمائة وستون يوما لا تزيد ولا تنقص.
وشرط عدم بلوغ الرضيع حولين كاملين هو مذهب إمامنا الشافعي (رضي الله تعالى عنه) ، وهو قول أبي يوسف، ومحمد (رضي الله تعالى عنهم أجمعين) . وقول الإمام مالك في إحدى روايتيه، وبه قال من الصحابة سيدنا عمر، وابنه، وسيدنا علي، وابن مسعود، وابن عباس، وأبو هريرة، وأمهات المؤمنين سوى سيدتنا عائشة (رضي الله تعالى عنهم) ، وقال سيدنا مالك (رضي الله عنه) مدته خمسة وعشرون شهرا، وقال الإمام أبو حنيفة: مدته ثلاثون شهرا، وقال زفر: مدته ثلاثة أحوال، فهي ستة وثلاثون شهرا، فكل هؤلاء يشترطون الصغر في الرضاع غير أنهم قد اختلفوا فيما بينهم في مدته.
وذهب بعض الفقهاء (ومنهم الأوزاعي، وداود الظاهري) إلى تحريم رضاع الكبير، ونسب هذا أيضا إلى الإمام الليث بن سعد، وهو مذهب أم المؤمنين عائشة (رضي الله تعالى عنها) وقال الجصاص: إنه قول شاذ. ينظر: «الرضاع» لشيخنا قاسم محمد العبدي.

<<  <  ج: ص:  >  >>