للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال ص: قيل: المراد هنا نفْيُ القليلِ والكثيرِ مِنَ الظُّلْم كقول طَرَفَةَ «١» : [الطويل] .

وَلَسْتُ بِحَلاَّلِ التِّلاَعِ مَخَافَةً ... وَلَكِنْ متى يَسْتَرْفِدِ القَوْمُ أَرْفِدِ «٢»

ولا يريدُ: أنه قدْ يحلُّ التلاعَ قليلاً.

وزاد أبو البقاءِ وجْهاً آخر، وهو أنْ يكون على النَّسَبِ، أي: لا ينسب سبحانه إلى ظُلْمٍ، فيكون من باب بَزَّاز وعَطَّار. انتهى، قلتُ: وهذا القولُ أحْسَنُ ما قيل هنا، فمعنى وما ربُّكَ بظَلاَّم، أي: بذي ظلم.

[سورة آل عمران (٣) : الآيات ١٨٣ الى ١٨٤]

الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللَّهَ عَهِدَ إِلَيْنا أَلاَّ نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ حَتَّى يَأْتِيَنا بِقُرْبانٍ تَأْكُلُهُ النَّارُ قُلْ قَدْ جاءَكُمْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِي بِالْبَيِّناتِ وَبِالَّذِي قُلْتُمْ فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (١٨٣) فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ جاؤُ بِالْبَيِّناتِ وَالزُّبُرِ وَالْكِتابِ الْمُنِيرِ (١٨٤)

وقوله سبحانه: الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللَّهَ عَهِدَ إِلَيْنا ... الآية: هذه المقالَةُ قالَتْها أحْبَارُ اليهودِ مدافعةً لأمر النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، والمعنى: إنَّك لم تأْتِنَا بقُرْبان تأكله النار، فنَحْنُ قد عُهِدَ إلَيْنا ألاَّ نُؤْمِنَ لك.


(١) طرفة بن العبد بن سفيان بن سعد، البكري، الوائلي، أبو عمرو: شاعر جاهلي من الطبقة الأولى. ولد في بادية «البحرين» ، وتنقل في بقاع «نجد» . واتصل بالملك عمرو بن هند، فجعله في ندمائه، ثم أمر بقتله لأبيات بلغ الملك فيها أن طرفة هجاه بها. وأشهر شعره معلقته. ومطلعها:
«لخولة أطلال ببرقة ثهمد» .
وقد شرحها كثيرون من العلماء. كان غير فاحش القول في شعره خاصة في الهجاء. توفي سنة ٦٠ قبل الهجرة.
انظر: «التبريزي» (٤/ ٨) ، و «جمهرة أشعار العرب» (٣٢، ٨٣) ، و «الأعلام» (٣/ ٢٢٥) .
(٢) وهذا البيت من معلقة طرفة. وقد عابه المرزباني في كتاب «الموشح» وقال: المصراع الثاني غير مشاكل للأول.
ينظر: «ديوانه» (ص ٢٩) و «خزانة الأدب» (٩/ ٦٦، ٦٧، ٤٧١) و «الكتاب» (٣/ ٧٨) وبلا نسبة في «شرح شذور الذهب» (ص ٤٣٥) و «مغني اللبيب» (٢/ ٦٠٦) .
والحلّال: مبالغة الحالّ، من الحلول، وهو النّزول. والأحسن أن يكون «فعّال» للنّسبة، أي لست بذي حلول. و (التّلاع) : جمع تلعة، وهو مجرى الماء من رءوس الجبال إلى الأودية. قال ابن الأنباريّ:
والتّلعة من الأضداد، تكون ما ارتفع، وما انخفض. والمراد هنا الثاني، وهو سيل ماء عظيم. و (أرفد) بكسر الفاء لأنه مضارع رفده رفدا من باب ضرب، أي أعطاه أو أعانه. والرّفد بالكسر اسم منه. وأرفده بالألف مثله. وترافدوا: تعاونوا. واسترفدته: طلبت رفده. قال الزوزني: المعنى: إنّي لست ممّن يستتر في التّلاع مخافة الضّيف أو غدر الأعداء إيّاي، ولكن أظهر وأعين القوم إذا استعانوا بي، إمّا في قرى الضيف، وإمّا في قتال الأعداء.

<<  <  ج: ص:  >  >>