للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَقُولُونَ: رَبَّنَا، لَمْ نَذَرْ فِيهَا أَحَداً مِمَّنْ أَمَرْتَنَا بِهِ، ثُمَّ يَقُولُ ارْجِعُوا، فَمَنْ وَجَدتُّمْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالَ نِصْفِ دِينَارٍ مِنْ خَيْرٍ، فَأَخْرِجُوهُ، فَيُخْرِجُونَ خَلْقاً كَثِيراً، ثُمَّ يَقُولُونَ: رَبَّنَا، لَمْ نَذَرْ فِيهَا أَحَداً مِمَّنْ أَمَرْتَنَا، ثُمَّ يقول: ارجعوا، فمن وجدتم في قلبه مثقال ذَرَّةٍ مِنْ خَيْرٍ، فَأَخْرِجُوهُ، فَيُخْرِجُونَ خَلْقاً كَثِيراً، ثُمَّ يَقُولُونَ: رَبَّنَا، لَمْ نَذَرْ فِيهَا خَيْراً» ، وكان أبو سعيدٍ الخدريُّ يَقُولُ: إِن لم تصدِّقوني في هذا الحديث، فاقرءوا إِن شئْتُمْ: إِنَّ اللَّهَ لاَ يَظْلِمُ مِثْقالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضاعِفْها وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً، فيقول اللَّه عزَّ وجلَّ:

«شَفَعَتِ المَلاَئِكَةُ، وشفع النبيون، وشفع المؤمنون، ولم يبق إلا أرحم الراحمين، فيقبض قبضة من النار، فيخرج مِنْهَا قَوْماً لَمْ يَعْمَلُوا خَيْراً قَطُّ ... » الحديثَ. انتهى.

ولفظُ البخاريِّ: «فَمَا أَنْتُمْ بِأَشَدَّ لِي مُنَاشَدَةً فِي الحَقِّ قَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ مِنَ المُؤْمِنِينَ يَوْمَئِذٍ لِلْجَبَّارِ، إِذَا رَأَوْا أَنَّهُمْ قَدْ نَجُوا فِي إِخْوَانِهِم ... » «١» الحديثَ.

وقرأ نافع وابنُ كَثيرٍ: «حَسَنَةٌ» «٢» (بالرفع) على تمام «كَانَ» ، التقدير: وإِنْ تُوجَدْ حَسَنَةٌ، ويُضَاعِفْهَا: جوابُ الشرطِ، وقرأ «٣» ابن كَثِيرٍ: «يُضَعِّفْهَا» ، وهو بناء تكثيرٍ يقتضِي أكْثَرَ مِنْ مرَّتين إِلَى أقصَى ما تريدُ مِنَ العدد، قال بعضُ المتأوِّلين: هذه الآيةُ خُصَّ بها المهاجِرُون لأن اللَّه تعالَى أعلَمَ في كتابه أنَّ الحَسَنَةَ لكُلِّ مؤُمِنٍ مضاعَفَةً عَشْرَ مرارٍ، وأَعْلَمَ في هذه الآيةِ أنها مُضَاعَفَةٌ مراراً كثيرةً حَسْبما رَوَى أبو هُرَيْرة من أنّها تضاعف ألفي ألف مرّة «٤» ، وروى غيره: أَلْفَ أَلْفِ مَرَّةٍ «٥» ، وقال بعضُهم: بَلْ وعد بذلك جَمِيعَ المؤمنينَ.

قال ع «٦» : والآيةُ تعمُّ المؤمنين والكافرين، فأمَّا المؤمنُونَ، فَيُجَازونَ في الآخِرَةِ على مثاقِيلِ الذَّرِّ، فما زاد، وأمَّا الكافِرُونَ، فما يَفْعَلُونه مِن خَيْر، فإِنه تقع عليه المكافأة بنعم


(١) تقدم تخريجه.
(٢) ينظر: «الحجة» (٣/ ١٦٠) ، و «حجة القراءات» (٢٠٣) ، و «إعراب القراءات» (١٣٣) ، و «العنوان» (٨٤) ، و «شرح الطيبة» (٤/ ٢٠٦) ، و «شرح شعلة» (٣٣٩) ، و «إتحاف» (١/ ٥١١) ، و «البحر المحيط» (٣/ ٢٥٧) ، و «الدر المصون» (٢/ ٣٦٢) ، و «معاني القراءات» (١/ ٣٠٨) .
(٣) ينظر: «السبعة» (٢٣٣) ، و «حجة القراءات» (٢٠٣) ، و «الحجة» (٣/ ١٦١) ، و «العنوان» (٨٤) ، و «إعراب القراءات» (١/ ١٣٤) ، و «إتحاف» (١/ ٥١٢) .
(٤) ذكره ابن عطية (٢/ ٥٤) ، وابن كثير (١/ ٤٩٨) ، والسيوطي (٢/ ٢٩١) ، وعزاه لابن أبي شيبة عن أبي عثمان قال: بلغني عن أبي هريرة.. فذكره.
(٥) ذكره ابن عطية (٢/ ٥٤) .
(٦) انظر: «المحرر الوجيز» (٢/ ٥٤) .

<<  <  ج: ص:  >  >>