للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أمثلة ذلك: ما رواه ابن جرير في تفسير قوله تعالى: أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنابٍ ... لَهُ فِيها مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ وَأَصابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفاءُ فَأَصابَها إِعْصارٌ فِيهِ نارٌ فَاحْتَرَقَتْ كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ [البقرة: ٢٦٦] أن عمر- رضي الله عنه- سأل النّاس عن هذه الآية، فما وجد أحدا يشفيه، حتّى قال ابن عباس، وهو خلفه: يا أمير المؤمنين، إني أجد في نفسي منها شيئا، فتلفّت إليه، فقال: تحوّل هاهنا لم تحقّر نفسك؟ قال:

هذا مثل ضربه الله عزّ وجلّ، فقال: أيودُّ أحدُكُم أنْ يعمل عمره بعَمَلِ أهْل الخير وأهل السّعادة حتّى إذا كان أحوج ما يكون إلى أن يختمه بخير حين فَنِيَ عمره واقترب أجله، خَتَم ذلك بعَمَلٍ من عمل أهل الشقاء، فأفسده كلّه فحرقه أحوج ما كان إليه «١» .

«وهو من باب الاستعارة التمثيلية، وقد ألمع إليه ابن عبّاس بقوله المقارب: هذا مثل ضربه الله عزّ وجلّ ... إلخ، وهل قال البلاغيّون فيما بعد غير ذلك؟!» «٢» .

ونهج تلاميذ ابن عبّاس نهجه، وكان أكثرهم نتاجا في هذا الاتجاه «مجاهدا» «٣» ، وأما تأصيل هذا الاتجاه فقد كان على يد «أبي عبيدة» صاحب «مجاز القرآن» ، ويعدّ صاحب الخطوة الأولى في هذا الاتجاه.

«وفضل هذا الكتاب في الدراسات البلاغيّة: أنه حين تعرّض للنصوص القرآنية أشار إلى ما تدلّ عليه من حقيقة أو مثل أو تشبيه أو كناية وما يتضمّن من ذكر أو حذف أو تقديم أو تأخير، فوضع بذلك اللّبنة الأولى في صرح الدراسات البلاغيّة للقرآن ... وإذا كان عبد القاهر أظهر من نادى من البلغاء بأن يوضع الكلام الوضع الذي يقتضيه علم النّحو، وهو ما سمّي بقضية النّظم فإن بذور قضيّته هذه كانت تكمن في مجاز «أبي عبيدة» حيث رأى في زمنه السّابق ما رآه صاحب «الدّلائل» في زمنه اللاحق، فكان بذلك الرائد الأوّل لعلم المعاني عند من يلتمسون الجذور الضّاربة في الأعماق «٤» .

وقد رتّب «أبو عبيدة» كتابه وفق ترتيب السّور القرآنية في المصحف، ومن هنا صار من اليسير أن يرجع الدّارس إلى ما ذكر أبو عبيدة في توجيه الآيات الكريمة من مثل قوله تعالى: نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ [البقرة: ٢٢٣] حيث قال: إنّها كناية


(١) «تفسير ابن جرير» ٣/ ٤٧.
(٢) راجع: «خطوات التفسير البياني» ص ٢١ وفيه شواهد أخرى.
(٣) راجع الأمثلة التي ذكرها الدكتور رجب البيومي في «خطوات التفسير البياني» ص ٣٤ وما بعدها.
(٤) «خطوات التفسير البياني» ص ٤٦، ٤٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>