للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حَظُّه من هذا المَقْت الذي تضمَّنه قوله تعالى: فَإِنَّهُ مِنْهُمْ، وسببُ نزولِ هذه الآيةِ أنَّه لَمَّا انقضت بدْرٌ وشَجَر أمر بني قينقاع، أراد النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قَتْلهم، فقام دُونَهم عبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ ابن سَلُولَ مخاصِماً، وقال: يا محمَّد، أَحْسِنْ في مَوَالِيَّ، فَإنِّي امرؤ أَخَافَ الدوائِرَ، فقال النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: قَدْ وهبتُهُمْ لك «١» ، ونزلَتِ الآية في ذلك. وقوله عزَّ وجلَّ: بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ: جملةٌ مقطوعة من النَّهْيِ.

وقوله تعالى: وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ: إنحاء على عبد اللَّه بْنِ أُبَيٍّ، وعلى كلِّ من اتصف بهذه الصفة.

وقوله سبحانه: فَتَرَى الَّذِينَ: المعنى: فترى يا محمد، الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ إشارةً إلى عبد اللَّه بْنِ أُبَيٍّ ومَنْ تبعه من المنافقين على مذهبه في حماية بني قَيْنُقَاعٍ.

وقوله تعالى: يَقُولُونَ نَخْشى أَنْ تُصِيبَنا دائِرَةٌ: لفظٌ محفوظٌ عن عبد اللَّه بْنِ أُبَيٍّ ومن تبعه من المنافقين، ودَائِرَةٌ: معناه نَازِلَةٌ من الزمان، وإنما كان ابن أبيٍّ يظهر أنه يستَبْقِيهم لِنُصْرة النبيِّ- عليه السلام-، وأنه الرأْيُ، وكان يبطنُ خلافَ ذلك.

وقوله سبحانه: فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ، وهو ظهور نبيه- عليه السلام-، وعلوّ كلمته، وتمكينُهُ مِنْ بني قَيْنُقَاعٍ وقريظَةَ والنَّضِيرِ، وفَتْحُ مكَّة، أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ يُهْلِكُ بِهِ أعداءَ الشرع، وهو أيضاً فتْحٌ لا يقع فيه للبَشَر سبَبٌ.

وقرأ ابن الزُّبَيْر «٢» : «فَيُصْبِحَ الفُسَّاقُ على مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نادمين» .

وقوله تعالى: وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا أَهؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ، قرأ «٣» نافعٌ وغيره: «يَقُولُ» - بغير واو-، وقرأ حمزة وغيره: «وَيَقُولُ» ، وقرأ أبو عمرو وحْده:

«وَيَقُولَ» - بالواو، ونصبِ اللامِ- فذَهَبَ كثيرٌ من المفسِّرين إلى أنَّ هذا القولَ مِنَ المؤمنين إنما هو إذا جاء الفتْحُ، وحصَلَتْ ندامةُ المنافقين، وفَضَحهم الله تعالى، فحينئذ:


(١) أخرجه الطبري بنحوه في «تفسيره» (٤/ ٦١٥) (١٢١٦٢) ، وذكره ابن عطية في «تفسيره» (٢/ ٢٠٣) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (٢/ ٥١٥) وعزاه لابن أبي شيبة، وابن جرير عن عطية بن سعد.
(٢) ينظر: «المحرر الوجيز» (٢/ ٢٠٥) ، و «البحر المحيط» (٣/ ٥٢٠) .
(٣) ينظر: «السبعة» (٢٤٥) . و «الحجة» (٣/ ٢٢٩) ، و «حجة القراءات» (٢٢٩) ، و «العنوان» (٨٨) ، و «شرح الطيبة» (٤/ ٢٣٠) ، و «شرح شعلة» (٣٥١) ، وإتحاف» (١/ ٣٧) ، و «معاني القراءات» (١/ ٣٣٣) .

<<  <  ج: ص:  >  >>