للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يُسْتنكَرُ نفاقُهُ وسعْيُهُ في رَدِّ أمر اللَّه تعالى.

قال ابن عباس وجماعة: معنى قولهم: التبخيلُ وذلك أنهم لحقَتْهم سَنَةٌ وجَهْدٌ، فقالوا هذه المقالة، يعْنُونَ بها أنَّ اللَّه بَخِلَ عليهم بالرِّزْقِ والتوسعَةِ، تعالَى اللَّه عن قَوْلِهِمْ «١» ، وهذا المعنى يشبه ما في قوله تعالى: وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ [الإسراء: ٢٩] فإن المراد: لا تَبْخَلْ ومنه قول النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم: «مَثَلُ البَخِيلِ وَالمُتَصَدِّقِ ... »

الحديثَ، وذكر الطبري والنَّقَّاش أن هذه الآية نزلَتْ في فِنْحَاص اليَهُودِيِّ، وأنه قالها «٢» .

وقوله سبحانه: غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ: خبرٌ يحتملُ في الدنيا، ويحتمل في الآخرة، فإن كان خبراً عن الدنيا، فالمعنى: غُلَّت أيديهم عن الخَيْرِ والإنفاقِ في وجوه البِرِّ ونحوه، وإذا كان خبراً عن الآخرة، فالمعنى: غُلَّتْ في النار، قلْتُ: ويَحْتَمِلُ الأمْرَيْنِ معاً.

وقوله تعالى: بَلْ يَداهُ مَبْسُوطَتانِ: العقيدةُ في هذا المعنى: نَفْيُ التشبيه عن اللَّه سبحانه، وأنه ليس بِجِسْمٍ، ولا له جارِحَةٌ، ولا يُشَبَّهُ، ولا يُكَيَّفُ، ولا يَتحيَّز، ولا تَحُلُّهُ الحوادثُ، تعالى عما يقول المبطلون عُلُوًّا كبيراً، قال ابن عبَّاس في هذه الآية: يَداهُ:

نعمتاه «٣» ، ثم اختلفت عبارة النَّاس في تَعْيِين «٤» النعمتَيْن:


(١) أخرجه الطبري في «تفسيره» بنحوه (٤/ ٦٤٠) برقم (١٢٢٤٦) ، وابن عطية (٢/ ٢١٤) .
(٢) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٤/ ٦٤٠) برقم (١٢٢٥١) عن عكرمة.
(٣) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٤/ ٦٤٠) ، ولم يعزه لأحد وذكره ابن عطية (٢/ ٢١٥) .
(٤) أقول وبالله التوفيق: وإنما يجب أن يسلك في هذا المقام مذهب السلف الصالح: مالك والأوزاعي، والثوري، والليث بن سعد، والشافعي، وأحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه، وغيرهم، من أئمة المسلمين قديما وحديثا، وهو إمرارها كما جاءت من غير تكييف، ولا تشبيه ولا تعطيل. والظاهر المتبادر إلى أذهان المشبهين منفي عن الله، فإن الله لا يشبهه شيء من خلقه، ولَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ [الشورى: ١١] بل الأمر كما قال الأئمة منهم نعيم بن حماد الخزاعي شيخ البخاري:
من شبه الله بخلقه فقد كفر، ومن جحد ما وصف الله به نفسه، فقد كفر، وليس فيما وصف الله به نفسه ولا رسوله تشبيه، فيمن أثبت لله- تعالى- ما وردت به الآيات الصريحة، والأخبار الصحيحة، على الوجه الذي يليق بجلال الله تعالى- ونفى عن الله تعالى النقائص فقد سلك سبيل الهدى فالاستواء على العرش صفة لله تعالى يجب الإيمان بها بلا كيف، ويكل العلم فيه إلى الله- عز وجل- وسأل رجل مالك بن أنس عن قوله: الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى [طه: ٥] كيف استوى؟ فأطرق رأسه مليا، وعلاه الرحضاء، ثم قال: الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول، والإيمان به واجب، وما أظنك إلا ضالا.، ثم أمر به فأخرج.
ينظر: «البغوي» (٢/ ١٦٥) . [.....]

<<  <  ج: ص:  >  >>