للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي الكلمات خمسة أقوال: أحدها: أنها خمس في الرأس، وخمس في الجسد. أما التي في الرأس، فالفرق، والمضمضة، والاستنشاق، وقص الشارب، والسواك. وفي الجسد: تقليم الأظافر، وحلق العانة، ونتف الإبط، والاستطابة بالماء، والختان، رواه طاوس عن ابن عباس. والثاني: أنها عشر ست في الإنسان، وأربع في المشاعر، فالتي في الإنسان: حلق العانة، ونتف الإبط، وتقليم الأظافر، وقص الشارب، والسواك، والغسل من الجنابة، والغسل يوم الجمعة. والتي في المشاعر:

الطواف بالبيت، والسعي بين الصفا والمروة، ورمي الجمار، والإفاضة. رواه حنش بن عبد الله عن ابن عباس. والثالث: أنها المناسك، رواه قتادة عن ابن عباس. والرابع: أنه ابتلاه بالكوكب، والشمس، والقمر، والهجرة، والنار، وذبح ولده، والختان، قاله الحسن. والخامس: أنها كل مسألة في القرآن، مثل قوله: رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً «١» ، ونحو ذلك، قاله مقاتل. فمن قال: هي أفعال فعلها قال: معنى فَأَتَمَّهُنَّ: عمل بهن. ومن قال: هي دعوات ومسائل قال: معنى فَأَتَمَّهُنَّ: أجابه الله إليهن. وقد روي عن أبي حنيفة أنه قرأ «٢» «إبراهيم» برفع الميم «ربه» بنصب الباء، على معنى: اختبر ربه هل يستجيب دعاءه، ويتخذه خليلاً أم لا؟

قوله تعالى: وَمِنْ ذُرِّيَّتِي، في الذرية قولان: أحدهما: أنها فعلية من الذر، لأن الله أخرج الخلق من صلب آدم كالذر. والثاني: أن أصلها ذرُّورة، على وزن: فعلولة، ولكن لما كثر التضعيف أبدل من الراء الأخيرة ياءً، فصارت: ذروية، ثم أدغمت الواو في الياء، فصارت: ذرية، ذكرهما الزجاج، وصوب الأول. وفي العهد هاهنا سبعة أقوال: أحدها: أنه الإمامة «٣» ، رواه أبو صالح عن ابن عباس، وبه قال مجاهد، وسعيد بن جبير. والثاني: أنه الطاعة، رواه الضحاك عن ابن عباس. والثالث: الرحمة، قاله عطاء وعكرمة. والرابع: الدين، قاله أبو العالية. والخامس: النبوة، قاله السدي عن أشياخه.

والسادس: الأمان، قاله أبو عبيدة. والسابع: الميثاق، قاله ابن قتيبة، والأول أصح. وفي المراد بالظالمين هاهنا قولان: أحدهما: أنهم الكفار، قاله ابن جبير، والسدي. والثاني: العصاة، قاله عطاء.


(١) إبراهيم: ٣٥.
(٢) قال أبو العلاء الواسطي: إن الخزاعي وضع كتابا في الحروف نسبه إلى أبي حنيفة، فأخذت خط الدارقطني وجماعة أن الكتاب موضوع لا أصل له. قال ابن الجزري: وقد رأيت الكتاب المذكور، ومنه إِنَّما يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ برفع الهاء ونصب الهمزة، وقد راج ذلك على أكثر المفسرين، ونسبها إليه، وتكلف توجيهها، وإن أبا حنيفة لبريء منها. انظر «النشر في القراآت العشر» لابن الجزري ١/ ١٦.
(٣) فائدة: قال الزمخشري رحمه الله في «الكشاف» ١/ ٢١١: لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ وقرئ «الظالمون» ، أي من كان ظالما من ذريتك لا يناله استخلافي وعهدي إليه بالإمامة، وإنما ينال من كان عادلا بريئا من الظلم وقالوا: في هذا دليل على أن الفاسق لا يصلح للإمامة. وكيف يصلح لها من لا يجوز حكمه وشهادته. ولا تجب طاعته، ولا يقبل خبره، ولا يقدّم للصلاة. وكان أبو حنيفة رحمه الله يفتي سرا بوجوب نصرة زيد بن عليّ رضوان الله عليهما، وحمل المال إليه، والخروج معه على اللص المتغلب المتسمي بالإمام والخليفة، كالدوانيقي وأشباهه. وقالت له امرأة: أشرت على ابني بالخروج مع إبراهيم ومحمد ابني عبد الله بن الحسن حتى قتل. فقال: ليتني مكان ابنك. وكان يقول في المنصور وأشياعه: لو أرادوا بناء مسجد وأرادوني على عدّ آجره لما فعلت. وعن ابن عيينة: لا يكون الظالم إماما قط. وكيف يجوز نصب الظالم للإمامة والإمام إنما هو لكف الظلمة. فإذا نصب من كان ظالما في نفسه فقد جاء المثل السائر: من استرعى الذئب ظلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>