للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

شئت جعلت «ما» صلة، كأنه قال: ومن قبل فرَّطتم في يوسف. قال الزجاج: وهذا أجود الوجوه، أن تكون «ما» لغواً. قوله تعالى: فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ أي: لن أخرج من أرض مصر، يقال: بَرِح الرجل بَراحاً: إِذا تنحّى عن موضعه. حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي قال ابن عباس: حتى يبعث إِليَّ أن آتيه أَوْ يَحْكُمَ اللَّهُ لِي فيه ثلاثة أقوال: أحدها: أو يحكم الله لي، فيردَّ أخي عليّ. والثاني: يحكم الله لي بالسيف، فأحارب من حبس أخي. والثالث: يقضي في أمري شيئاً، وَهُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ أي: أعدلهم وأفضلهم.

قوله تعالى: إِنَّ ابْنَكَ سَرَقَ وقرأ ابن عباس، والضحاك، وابن أبي سريج عن الكسائي:

«سُرِّق» بضم السين وتشديد الراء وكسرها. قوله تعالى: وَما شَهِدْنا إِلَّا بِما عَلِمْنا فيه قولان:

أحدهما: وما شهدنا عليه بالسرقة إِلا بما علمنا، لأنا رأينا المسروق في رحله، قاله أبو صالح عن ابن عباس. والثاني: وما شهدنا عند يوسف بأن السارق يؤخذ بسرقته إِلا بما علمنا من دينك، قاله ابن زيد.

وفي قوله: وَما كُنَّا لِلْغَيْبِ حافِظِينَ ثمانية أقوال: أحدها: أن الغيب هو الليل، والمعنى: لم نعلم ما صنع بالليل، قاله أبو صالح عن ابن عباس، وهذا يدل على أن التهمة وقعت به ليلاً. والثاني: ما كنا نعلم أن ابنك يسرق، رواه ابن أبي نجيح عن مجاهد، وبه قال عكرمة، وقتادة، ومكحول. قال ابن قتيبة: فالمعنى: لم نعلم الغيب حين أعطيناك الموثق لنأتينَّك به أنه يسرق فيؤخذ. والثالث: لم نستطع أن نحفظه فلا يسرق، رواه عبد الوهاب عن مجاهد. والرابع: لم نعلم أنه سرق للملك شيئاً، ولذلك حكمنا باسترقاق السارق، قاله ابن زيد. والخامس: أن المعنى: قد رأينا السرقة قد أُخذت من رحله، ولا علم لنا بالغيب فلعلهم سرَّقوه، قاله ابن إِسحاق. والسادس: ما كنا لغيب ابنك حافظين، إِنما نقدر على حفظه في محضره، فإِذا غاب عنا، خفيت عنا أموره. والسابع: لو علمنا من الغيب أن هذه البلية تقع بابنك ما سافرنا به، ذكرهما ابن الأنباري. والثامن: لم نعلم أنك تُصَابُ به كما أُصبتَ بيوسف، ولو علمنا لم نذهب به، قاله ابن كيسان.

[[سورة يوسف (١٢) : آية ٨٢]]

وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيها وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنا فِيها وَإِنَّا لَصادِقُونَ (٨٢)

قوله تعالى: وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ المعنى: قولوا لأبيكم: سل أهل القرية الَّتِي كُنَّا فِيها يعنون مصر وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنا فِيها وأهل العير، وكان قد صحبهم قوم من الكنعانيين. قال ابن الأنباري:

ويجوز أن يكون المعنى: وسل القرية والعير فانها تعقل عنك لأنك نبي والأنبياء قد تخاطبهم الأحجار والبهائم، فعلى هذا تسلم الآية من إضمار.

[[سورة يوسف (١٢) : آية ٨٣]]

قالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (٨٣)

قوله تعالى: قالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ في الكلام اختصار، والمعنى: فرجعوا إِلى أبيهم فقالوا له ذلك، فقال لهم هذا، وقد شرحناه في أوّل السّورة.

واختلفوا لأي علَّة قال لهم هذا القول، على ثلاثة أقوال: أحدها: أنه ظن أن الذي تخلَّف منهم، إِنما تخلف حيلة ومكراً ليصدِّقهم، قاله وهب بن منبه. والثاني: أن المعنى: سوَّلت لكم أنفسكم أنّ

<<  <  ج: ص:  >  >>