للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رسول الله صلى الله عليه وسلم في طائفة من أصحابه عامدين إِلى سوق عكاظ، وقد حيل بين الشياطين وبين خبر السماء، وأُرسلت عليهم الشهب» . وظاهر هذا الحديث أنها لم تكن قبل ذلك. قال الزجاج: ويدل على أنها إِنما كانت بعد مولد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن شعراء العرب الذين يمثِّلون بالبرق والأشياء المسرعة، لم يوجد في أشعارها ذِكر الكواكب المنقضّة، فلما حدثت بعد مولد نبيّنا صلى الله عليه وسلم، استعملت الشعراء ذِكرها، فقال ذو الرُّمَّة:

كأنَّه كوكبٌ في إِثْرِ عِفْرِيَةٍ ... مُسَوَّم في سوادِ الليل مُنْقَضِبُ «١»

والثاني: أنه قد كان ذلك قبل نبيّنا صلى الله عليه وسلم.

(٨٤٤) فروى مسلم في «صحيحه» من حديث علي بن الحسين عن ابن عباس قال: بينا النبيّ صلى الله عليه وسلم جالس في نفر من أصحابه، إِذ رمي بنجم، فاستنار، فقال: «ما كنتم تقولون إِذا كان مثل هذا في الجاهلية» ؟ قالوا: كنا نقول: يموت عظيم، أو يولد عظيم، قال: «فإنها لا يُرمى بها لموت أحد ولا لحياته، ولكنْ ربُّنا إِذا قضى أمراً، سبَّح حملة العرش، ثم سبَّح أهل السماء الذين يلونهم، حتى يبلغ التسبيح أهلَ هذه السماء، ثم يستخبر أهلُ كل سماءٍ أهلَ سماءٍ، حتى ينتهي الخبر إِلى هذه السماء، وتخطف الجنّ ويرمون، فما جاءوا به على وجهه فهو حق، ولكنهم يقرِفون فيه ويزيدون» . وروي عن ابن عباس أن الشياطين كانت لا تحجب عن السّماوات، فلمّا ولد عيسى، منعت من ثلاث سماوات، فلمّا ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم، منعوا من السّماوات كلِّها. وقال الزهري: قد كان يرمى بالنجوم قبل مبعث رسول الله، ولكنها غُلِّظت حين بعث صلى الله عليه وسلم، وهذا مذهب ابن قتيبة، قال: وعلى هذا وجدنا الشعر القديم، قال بشر بن أبي خازم، وهو جاهلي:

والعَيْرُ يَرْهَقُها الغُبارُ وجَحْشُها ... يَنْقَضُّ خلفهما انقضاضَ الكوكبِ

وقال أوس بن حَجَر، وهو جاهلي:

فانقض كالدِّرِّيء يتبعه ... نقع يثور تخالهُ طُنُبا

قوله تعالى: إِلَّا مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ أي: اختطف ما سمعه من كلام الملائكة. قال ابن فارس:

استرق السمع: إذا تسمّع مستخفياً. فَأَتْبَعَهُ أي: لحقه شِهابٌ مُبِينٌ قال ابن قتيبة: كوكب مضيء.

وقيل: «مبين» بمعنى: ظاهر يراه أهل الأرض. وإِنما يسترق الشيطان ما يكون من أخبار الأرض، فأما وحي الله عزّ وجلّ، فقد صانه عنهم. واختلفوا، هل يَقتل الشهاب، أم لا؟ على قولين: أحدهما: أنه


مشارق الأرض ومغاربها ينظرون ما هذا الأمر الذي حال بينهم وبين خبر السماء قال: فانطلق الذين توجّهوا نحو تهامة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بنخلة، وهو عامد إلى سوق عكاظ، وهو يصلِّي بأصحابه صلاة الفجر، فلما سمعوا تسمَّعوا له فقالوا: هذا الذي حال بينكم وبين خبر السماء، فهنالك رجَعوا إِلى قومهم فقالوا: يا قومنا إِنّا سَمِعْنا قرآناً عَجَباً يَهدي إِلى الرُّشْد فآمنا به ولن نشرك بربنا أحدا. وأنزل الله عز وجل على نبيه صلى الله عليه وسلم قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ وإنما أوحي إليه قول الجن.
صحيح. أخرجه مسلم ٢٢٢٩ والترمذي ٣٢٢٤ وأحمد ١/ ٢١٨ والطحاوي في «المشكل» ٢٣٣٢ وابن حبان ٦١٢٩ والبيهقي ٨/ ١٣٨ من حديث ابن عباس.

<<  <  ج: ص:  >  >>