للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذه الآية لمن لا يوقن بالمعاد. وقد ذكرنا معنى «جهنّم» في سورة البقرة «١» ، ومعنى يَصْلاها في سورة النساء «٢» ، ومعنى مَذْمُوماً مَدْحُوراً في الأعراف «٣» .

قوله تعالى: وَمَنْ أَرادَ الْآخِرَةَ يعني: الجنة وَسَعى لَها سَعْيَها أي: عمل لها العمل الذي يصلح لها، وإِنما قال: وَهُوَ مُؤْمِنٌ لأن الإِيمان شرط في صحة الأعمال، فَأُولئِكَ كانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُوراً أي: مقبولا. وشكر الله عزَّ وجل لهم: ثوابه إيّاهم، وثناؤه عليهم.

[سورة الإسراء (١٧) : الآيات ٢٠ الى ٢٢]

كُلاًّ نُمِدُّ هؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ مِنْ عَطاءِ رَبِّكَ وَما كانَ عَطاءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً (٢٠) انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً (٢١) لا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُوماً مَخْذُولاً (٢٢)

قوله تعالى: كُلًّا نُمِدُّ هؤُلاءِ قال الزجاج: «كلاٍّ» منصوب ب «نمِدُّ» ، «هؤلاء» بدل من «كل» والمعنى: نمد هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك، قال المفسرون: كُلاًّ نعطي من الدنيا، البرّ والفاجر، والعطاء ها هنا: الرزق، والمحظور: الممنوع، والمعنى: أن الرزق يعم المؤمن والكافر، والآخرة للمتقين خاصة. انْظُرْ يا محمد كَيْفَ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ وفيما فضِّلوا فيه قولان: أحدهما:

الرزق، منهم مقلٌّ، ومنهم مُكثر. والثاني: الرزق والعمل، فمنهم موفَّق لعمل صالح، ومنهم ممنوع من ذلك. قوله تعالى: لا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلّم، والمعنى عام لجميع المكلفين.

والمخذول: الذي لا ناصر له، والخذلان: ترك العون. قال مقاتل: نزلت حين دعوا رسول الله صلى الله عليه وسلّم إلى ملّة آبائه.

[سورة الإسراء (١٧) : الآيات ٢٣ الى ٢٥]

وَقَضى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُما أَوْ كِلاهُما فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُما وَقُلْ لَهُما قَوْلاً كَرِيماً (٢٣) وَاخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُما كَما رَبَّيانِي صَغِيراً (٢٤) رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِما فِي نُفُوسِكُمْ إِنْ تَكُونُوا صالِحِينَ فَإِنَّهُ كانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُوراً (٢٥)

قوله تعالى: وَقَضى رَبُّكَ روى ابن أبي طلحة عن ابن عباس قال: أمَر ربك. ونقل عنه الضحاك أنه قال: إِنما هي «ووصى ربك» فالتصقت إِحدى الواوين ب «الصاد» ، وكذلك قرأ أُبيُّ بن كعب، وأبو المتوكل، وسعيد بن جبير: «ووصى» ، وهذا على خلاف ما انعقد عليه الإِجماع، فلا يلتفت إِليه. وقرأ أبو عمران، وعاصم الجحدريّ، ومعاذ القارئ: «وقضاءُ ربك» بقاف وضاد بالمد والهمز والرفع وخفض اسم الرب. قال ابن الأنباري: هذا القضاء ليس من باب الحتم والوجوب، لكنه من باب الأمر والفرض، وأصل القضاء في اللغة: قطع الشيء باحكام وإِتقان، قال الشاعر يرثي عمر:

قَضَيْتُ أُمُوْراً ثُمَّ غَادَرْتَ بَعْدَهَا ... بوائق في أكمامها لم تفتّق «٤»


(١) سورة البقرة: ٢٠٦.
(٢) سورة النساء: عند الآية ١٠.
(٣) سورة الأعراف: ١٨.
(٤) البيت للشمّاخ كما في «حماسة أبي تمام» ٣/ ١٠٩. ويروى أيضا للمزرد بن ضرار كما في «البيان والتبيين» ٣/ ٣٦٤. وقيل إن هذا الشعر للجنّ قالته قبل أن يقتل عمر بثلاث، فكان ذلك نعيا قبل أن يقتل. وفي «اللسان» :
البوائق: جمع بائقة وهي الداهية والبلية.

<<  <  ج: ص:  >  >>