للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

علي: العدد المضاف إِلى الآحاد قد جاء مضافاً إِلى الجميع، قال الشاعر:

ومَا زَوَّدُوني غير سحق عمامة ... وخمسمئ منها قَسِيٌّ وزائفُ

«١» وفي هذا الكلام قولان «٢» : أحدهما: أنه حكاية عما قال الناس في حقهم، وليس بمقدار لبثهم، قاله ابن عباس، واستدل عليه فقال: لو كانوا لبثوا ذلك لما قال: قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِما لَبِثُوا وكذلك قال قتادة، هذا قول أهل الكتاب. والثاني: أنه مقدار ما لبثوا، قاله عبيد بن عمير ومجاهد والضحاك وابن زيد والمعنى: لبثوا هذا القدر من يوم دخلوه إِلى أن بعثهم الله وأطلع الخلق عليهم. قوله تعالى:

سِنِينَ قال الفراء وأبو عبيدة والكسائي والزجاج: التقدير: سنين ثلاثمائة. قال ابن قتيبة: المعنى:

أنها لم تكن شهوراً ولا أيّاما، إنما كانت سنين. وقال أبو علي الفارسي: «سنين» بدل من قوله:

«ثلاثمائة» . قال الضحاك: نزلت وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِائَةٍ فقالوا: أياماً أو شهوراً أو سنين؟

فنزلت: «سنين» فلذلك قال: «سنين» ، ولم يقل: سنة.

قوله تعالى: وَازْدَادُوا تِسْعاً يعني: تسع سنين، فاستغنى عن ذِكْر السنين بما تقدَّم من ذِكْرها. ثم أعلمَ أنه أعلمُ بقدْر مدة لبثهم من أهل الكتاب المختلفين فيها، فقال: قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِما لَبِثُوا قال ابن السائب: قالت نصارى نجران: أما الثلاثمائة، فقد عرفناها، وأما التسع، فلا عِلْم لنا بها «٣» ، فنزل قوله تعالى: قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِما لَبِثُوا وقيل: إِن أهل الكتاب قالوا: إِن للفتية منذ دخلوا الكهف إِلى يومنا هذا ثلاثمائة وتسع سنين، فردّ عليهم ذلك، وقال: قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِما لَبِثُوا بعد أن قبض أرواحهم إِلى يومكم هذا، لا يعلم بذلك غيرُ الله. وقيل: إِنما زاد التسع، لأنه تفاوت ما بين السنين الشمسية والسنين القمرية، حكاه الماوردي.

قوله تعالى: أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ فيه قولان: أحدهما: أنه على مذهب التعجب، فالمعنى: ما أسمع الله وأبصره، أي: هو عالم بقصة أصحاب الكهف وغيرهم، هذا قول الزجاج، وذكر أنه إِجماع العلماء. والثاني: أنه في معنى الأمر، فالمعنى: أَبصِر بدين الله وأسمع، أي: أبصر بهدى الله واسمع، فترجع الهاء إِما على الهدى، وإِما على الله عزّ وجلّ، ذكره ابن الأنباري. قوله تعالى: ما لَهُمْ مِنْ دُونِهِ أي: ليس لأهل السموات والأرض من دون الله من ناصر، وَلا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً ولا يجوز أن يحكم حاكم بغير ما حكم به، وليس لأحد أن يحكم من ذات نفسه فيكون شريكاً لله عزّ وجلّ في حكمه. وقرأ ابن عامر: «ولا تُشرِكْ» جزماً بالتاء، والمعنى: لا تشرك أيها الإِنسان.

[سورة الكهف (١٨) : الآيات ٢٧ الى ٢٨]

وَاتْلُ ما أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتابِ رَبِّكَ لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ وَلَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً (٢٧) وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْناكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنا وَاتَّبَعَ هَواهُ وَكانَ أَمْرُهُ فُرُطاً (٢٨)


(١) البيت لمزرّد كما في «اللسان» مادة- مأي- سحق. والسّحق: الثوب الخلق البالي. ودرهم قسيّ: رديء.
(٢) قال الطبري رحمه الله ٨/ ٢١١: وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال كما قال الله عز ذكره: ولبث أصحاب الكهف في كهفهم رقودا إلى أن بعثهم الله، ليتساءلوا بينهم وإلى أن أعثر عليهم من أعثر ثلاث مائة سنين وتسع سنين ثم قال الله جل ثناؤه لنبيه صلى الله عليه وسلّم: قل يا محمد: الله أعلم بما لبثوا بعد أن قبض الله أرواحهم، من بعد أن بعثهم من رقدتهم إلى يومهم هذا، لا يعلم بذلك غير الله، وغير من أعلمه الله ذلك. وهو اختيار ابن كثير رحمه الله في «تفسيره» ٣/ ١٠٣.
(٣) عزاه المصنف لابن السائب، وهو الكلبي، وهو ساقط الرواية.

<<  <  ج: ص:  >  >>