للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قبل قصة الرجلين. فأما من فتح واو «الوَلاية» فإنه أراد الموالاة والنصرة، ومن كسر، أراد السلطان والملك على ما شرحنا في آخر الأنفال «١» . فعلى قراءة الفتح، في معنى الكلام قولان: أحدهما: أنهم يتوَلَّون الله تعالى في القيامة، ويؤمنون به، ويتبرَّؤون مما كانوا يعبدون، قاله ابن قتيبة. والثاني: هنالك يتولَّى اللهُ أمرَ الخلائق، فينصر المؤمنين ويخذل الكافرين. وعلى قراءة الكسر، يكون المعنى: هنالك السُّلطان لله. قال أبو علي: من كسر قاف «الحقِّ» ، جعله من وصف الله عزَّ وجلَّ، ومن رفعه جعله صفة للولاية. فإن قيل: لم نُعتت الولاية وهي مؤنثة بالحقِّ وهو مصدر؟ فعنه جوابان ذكرهما ابن الأنباري: أحدهما: أن تأنيثها ليس حقيقياً، فحُملت على معنى النصر والتقدير: هنالك النصر لله الحقُّ، كما حُملت الصيحة على معنى الصياح في قوله: وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ «٢» . والثاني: أن الحقَّ مصدر يستوي في لفظه المذكَّر والمؤنث والاثنان والجمع، فيقال: قولك حق، وكلمتك حق، وأقوالكم حق. ويجوز ارتفاع الحق على المدح للولاية، وعلى المدح لله تعالى بإضمار «هو» .

قوله تعالى: هُوَ خَيْرٌ ثَواباً أي: هو أفضل ثواباً ممن يُرجى ثوابه، وهذا على تقدير أنه لو كان غيره يثيب لكان ثوابه أفضل. قوله تعالى: وَخَيْرٌ عُقْباً قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر والكسائي: «عُقُباً» مضمومة القاف. وقرأ عاصم وحمزة: «عُقْباً» ساكنة القاف. قال أبو علي: ما كان على «فُعُل» جاز تخفيفه، كالعُنُق والطُّنُب. قال أبو عبيدة: العُقُب والعُقْب والعُقْبى والعاقبة، بمعنى:

وهي الآخرة، والمعنى عاقبة طاعة الله خير من عاقبة طاعة غيره.

[[سورة الكهف (١٨) : آية ٤٥]]

وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَياةِ الدُّنْيا كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيماً تَذْرُوهُ الرِّياحُ وَكانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِراً (٤٥)

قوله تعالى: وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَياةِ الدُّنْيا أي: في سرعة نفادها وذهابها، وقيل: في تصرُّف أحوالها، إِذ مع كلِّ فرحة تَرْحة، وهذا مفسر في سورة يونس «٣» إِلى قوله: فَأَصْبَحَ هَشِيماً. قال الفراء: الهشيم: كل شيء كان رطباً فيبس. وقال الزجاج: الهشيم: النبات الجافّ. وقال ابن قتيبة:

الهشيم من النبت: المتفتِّت، وأصله من هشمتُ الشيء: إِذا كسرتَه، ومنه سمّي الرجل هاشما.

وتَذْرُوهُ الرِّياحُ تنسفه. وقرأ أُبيّ وابن عباس وابن أبي عبلة: «تُذْرِيْهِ» برفع التاء وكسر الراء بعدها ياء ساكنة وهاء مكسورة. وقرأ ابن مسعود كذلك، إِلا أنه فتح التاء. والمقْتَدِر: مُفْتَعِل، من قَدَرْتُ. قال المفسرون: وَكانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ من الإِنشاء والإِفناء مُقْتَدِراً.

[[سورة الكهف (١٨) : آية ٤٦]]

الْمالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَالْباقِياتُ الصَّالِحاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَواباً وَخَيْرٌ أَمَلاً (٤٦)

قوله تعالى: الْمالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَياةِ الدُّنْيا هذا ردٌّ على المشركين الذين كانوا يفتخرون بالأموال والأولاد، فأخبر الله تعالى أن ذلك مما يُتزيَّن به في الدنيا، لا مما ينفع في الآخرة. قوله تعالى: وَالْباقِياتُ الصَّالِحاتُ فيها خمسة أقوال «٤» : أحدها: أنها «سبحان الله، والحمد لله، ولا إِله إِلا


(١) سورة الأنفال: ٧٢.
(٢) سورة هود: ٦٧. [.....]
(٣) سورة يونس: ٢٤.
(٤) قال الطبري رحمه الله ٨/ ٢٣٢: وأولى الأقوال في ذلك بالصواب كالذي روي عن ابن أبي طلحة عن ابن عباس قال: هن جميع أعمال الخير.

<<  <  ج: ص:  >  >>