للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قوله تعالى: وَيُجادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْباطِلِ قال ابن عباس: يريد: المستهزئين والمقتسمين وأتباعهم. وجدالُهم بالباطل: أنهم ألزموه أن يأتيَ بالآيات على أهوائهم لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ أي:

ليُبْطِلوا ما جاء به محمّد صلى الله عليه وسلّم وقيل: جدالُهم: قولُهم: أَإِذا كُنَّا عِظاماً وَرُفاتاً «١» أَإِذا ضَلَلْنا فِي الْأَرْضِ «٢» ، ونحو ذلك ليبطلوا به ما جاء في القرآن من ذِكْر البعث والجزاء. قال أبو عبيدة: ومعنى «ليُدْحِضوا» : ليُزِيلوا ويذهبوا، يقال: مكان دَحْض، أي: مَزَلٌّ لا يثبت فيه قدم ولا حافر. قوله تعالى:

وَاتَّخَذُوا آياتِي يعني القرآن. وَما أُنْذِرُوا أي: خُوِّفوا به من النار والقيامة هُزُواً أي: مهزوءاً به.

قوله تعالى: وَمَنْ أَظْلَمُ قد شرحنا هذه الكلمة في البقرة «٣» وذُكِّرَ بمعنى: وُعِظ. وآياتُ ربِّه:

القرآن، وإِعراضُه عنها: تهاونُه بها. وَنَسِيَ ما قَدَّمَتْ يَداهُ أي: ما سلف من ذنوبه وقد شرحنا ما بعد هذا في الأنعام «٤» إِلى قوله: وَإِنْ تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدى وهو: الإِيمان والقرآن فَلَنْ يَهْتَدُوا هذا إِخبار عن عِلْمه فيهم. قوله تعالى: وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ إِذ لم يعاجلهم بالعقوبة. بَلْ لَهُمْ مَوْعِدٌ للبعث والجزاء لَنْ يَجِدُوا مِنْ دُونِهِ مَوْئِلًا قال الفراء: الموئل: المنجى، وهو الملجأ في المعنى، لأن المنجى ملجأٌ، والعرب تقول: إِنه لَيُوائل إِلى موضعه، أي: يذهب إِلى موضعه، قال الشاعر:

لا واءلت نَفْسُكَ خَلَّيْتَها ... للعامِرِيّيْن، وَلمْ تُكْلَمِ

يريد: لا نجت نفسك، وأنشد أبو عبيدة للأعشى:

وَقَدْ أُخالِسُ رَبَّ البَيْتِ غَفْلَتَهُ ... وقَدْ يُحاذِرُ مِنِّي ثمّ ما يئل

أي: ما ينجو. وقال ابن قتيبة: الموئل: الملجِأ. يقال: وأل فلان إِلى كذا: إِذا لجأ.

فإن قيل: ظاهر هذه الآية يقتضي أن تأخير العذاب عن الكفار برحمة الله، ومعلوم أنه لا نصيب لهم في رحمته «٥» . فعنه جوابان: أحدهما: أنّ الرّحمة ها هنا بمعنى النعمة، ونعمة الله لا يخلو منها مؤمن ولا كافر. فأما الرحمة التي هي الغفران والرضى، فليس للكافر فيها نصيب. والثاني: أن رحمة الله محظورة على الكفار يوم القيامة، فأما في الدنيا، فإنهم ينالون منها العافية والرزق.

قوله تعالى: وَتِلْكَ الْقُرى يريد: التي قصصنا عليكَ ذِكْرها، والمراد: أهلها، ولذلك قال:

أَهْلَكْناهُمْ والمراد: قوم هود، وصالح، ولوط، وشعيب. قال الفرّاء: وقوله: لَمَّا ظَلَمُوا معناه:

بعد ما ظَلَموا. قوله تعالى: وَجَعَلْنا لِمَهْلِكِهِمْ قرأ الأكثرون بضم الميم وفتح اللام قال الزجاج: وفيه


(١) سورة الإسراء: ٤٩.
(٢) سورة السجدة: ١٠.
(٣) سورة البقرة: ١١٤.
(٤) سورة الأنعام: ٢١.
(٥) قال الحافظ ابن كثير رحمه الله في «تفسيره» ٣/ ١١٧: وقوله تعالى: وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ أي: ربّك يا محمد غفور ذو رحمة واسعة والآيات في هذا كثيرة، ثم أخبر أنه يحلم ويستر ويغفر وربما هدى بعضهم من الغي إلى الرشاد ومن استمر منهم فله يوم يشيب فيه الوليد، وتضع كل ذات حمل حملها. ولهذا قال: بَلْ لَهُمْ مَوْعِدٌ لَنْ يَجِدُوا مِنْ دُونِهِ مَوْئِلًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>