للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قوله تعالى: وَيَسْئَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ قد ذكرنا سبب نزولها عند قوله تعالى: وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ «١» . واختلفوا في اسم ذي القرنين على أربعة أقوال «٢» : أحدها: عبد الله، قاله عليّ رضي الله عنه، وروي عن ابن عباس أنه عبد الله بن الضحاك. والثاني: الاسكندر، قاله وهب. والثالث: عيِّاش، قاله محمد بن علي بن الحسين. والرابع: الصعب بن جابر بن القلمس، ذكره ابن أبي خيثمة. وفي علَّة تسميته بذي القرنين عشرة أقوال: أحدها: أنه دعا قومه إِلى الله تعالى، فضربوه على قرنه فهلك، فغبر زماناً، ثم بعثه الله، فدعاهم إِلى الله فضربوه على قرنه الآخر فهلك، فذانك قرناه، قاله عليّ رضي الله عنه. والثاني: أنه سمي بذي القرنين، لأنه سار إِلى مغرب الشمس وإِلى مطلعها، رواه أبو صالح عن ابن عباس. والثالث: لأن صفحتي رأسه كانتا من نحاس. والرابع: لأنه رأى في المنام كأنه امتد من السماء إِلى الأرض وأخذ بقرني الشمس، فقصَّ ذلك على قومه، فسمِّي بذي القرنين. والخامس: لأنه مَلَك الروم وفارس. والسادس: لأنه كان في رأسه شبه القرنين، رويت هذه الأقوال الأربعة عن وهب بن منبِّه. والسابع: لأنه كانت له غديرتان من شعر، قاله الحسن. قال ابن الأنباري: والعرب تسمي الضفيرتين من الشعر غديرتين، وجميرتين، وقرنين قال: ومن قال: سمي بذلك لأنه ملك فارس والروم، قال: لأنهما عاليان على جانبين من الأرض يقال لهما: قرنان. والثامن: لأنه كان كريم الطرفين من أهل بيت ذوي شرف. والتاسع: لأنه انقرض في زمانه قرنان من الناس، وهو حيّ.

والعاشر: لأنه سلك الظلمة والنور، ذكر هذه الأقوال الثلاثة أبو إِسحاق الثعلبي.

واختلفوا هل كان نبيّاً، أم لا؟ على قولين: أحدهما: أنه كان نبيّاً، قاله عبد الله بن عمرو، والضحاك بن مزاحم. والثاني: أنه كان عبداً صالحاً، ولم يكن نبيّاً، ولا مَلكاً، قاله عليّ رضي الله تعالى عنه. وقال وهب: كان ملكاً، ولم يوح إِليه.


(١) سورة الإسراء: ٨٥.
(٢) قال ابن كثير رحمه الله في «تفسيره» ٣/ ١٢٨: ذكر الأزرقي وغيره أن الإسكندر الأول المذكور في القرآن هو الذي طاف بالبيت مع إبراهيم عليه السلام أول ما بناه وآمن به واتبعه. وكان معه الخضر عليه السلام. وقرّب إلى الله قربانا وقد ذكرنا طرفا صالحا من أخباره في كتاب «البداية والنهاية» بما فيه الكفاية ولله الحمد. وأما الإسكندر الثاني الذي كان من الروم بن فيليبس المقدوني اليوناني الذي تؤرخ به الروم وقد كان قبل المسيح عليه السلام بنحو من ثلاثمائة سنة. والحديث الذي روي عن النبي صلى الله عليه وسلّم لما سئل عن ذي القرنين: «أنه شاب من الروم، وأنه بنى الإسكندرية ... » فيه طول ونكارة ورفعه لا يصح وأكثر ما فيه من أخبار بني إسرائيل اه.
قلت: هذا الحديث ضعيف جدا، وهو مرسل، ولو صح هذا مرفوعا لما اختلف الناس في سبب تسميته بذلك، والأشبه كونه من كلام بعض أئمة التفسير. وقد أخرجه الطبري ٢٣٢٧٥. وله ثلاث علل ضعف ابن لهيعة وشيخه عبد الرحمن بن غنم، وجهالة رواته، فهو شبه موضوع. وانظر «تفسير القرطبي» ٤١٩٢ و «تفسير الشوكاني» ١٥٢٤ بتخريجنا.

<<  <  ج: ص:  >  >>