للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عيبها وشتمها لَأَرْجُمَنَّكَ وفيه قولان: أحدهما: بالشتم والقول، قاله ابن عباس، ومجاهد. والثاني:

بالحجارة حتى تتباعدَ عني، قاله الحسن.

قوله تعالى: وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا فيه قولان: أحدهما: اهجرني طويلاً، رواه ميمون بن مهران عن ابن عباس، وبه قال الحسن، والفرَّاء، والأكثرون. قال ابن قتيبة: اهجرني حيناً طويلاً، ومنه يقال:

تَمَليّت حبيبك. والثاني: اجتنبني سالماً قبل أن تصيبَك عقوبتي، رواه العوفي عن ابن عباس، وبه قال قتادة، والضحاك فعلى هذا يكون من قولهم: فلان ملهيّ بكذا وكذا: إِذا كان مضطلعاً به، فالمعنى:

اهجرني وعرضك وافر، وأنت سليم من أذايَ، قاله ابن جرير.

قوله تعالى: قالَ سَلامٌ عَلَيْكَ أي: سَلِمتَ من أن أُصيبَك بمكروه، وذلك أنه لم يؤمَر بقتاله على كفره، سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي فيه قولان: أحدهما: أن المعنى: سأسأل الله لك توبةً تنال بها مغفرته. والثاني: أنه وعده الاستغفار وهو لا يعلم أن ذلك محظور في حقّ المُصرّين على الكفر، ذكرهما ابن الأنباري.

قوله تعالى: إِنَّهُ كانَ بِي حَفِيًّا فيه ثلاثة أقوال: أحدها: لطيفاً، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس، وبه قال ابن زيد، والزجاج. والثاني: رحيماً، رواه الضحاك عن ابن عباس. والثالث: بارّاً عوّدني منه الإِجابة إِذا دعوتُه، قاله ابن قتيبة.

قوله تعالى: وَأَعْتَزِلُكُمْ أي: وأتنحّى عنكم، وَأعتزل ما تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ يعني الأصنام. وفي معنى «تَدْعُون» قولان: أحدهما: تَعْبُدون. والثاني: أنّ المعنى: وما تدعونه ربّا، وَأَدْعُوا رَبِّي أي: وأعبُده عَسى أَلَّا أَكُونَ بِدُعاءِ رَبِّي شَقِيًّا أي: أرجو أن لا أشقى بعبادته كما شَقِيتُم أنتم بعبادة الأصنام، لأنها لا تنفعهم ولا تُجيب دعاءَهم فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ قال المفسرون: هاجر عنهم إِلى أرض الشام، فوهب الله له إِسحاق ويعقوب، فآنس الله وحشته عن فراق قومه بأولادٍ كرامٍ. قال أبو سليمان: وإِنما وهب له إِسحاق ويعقوب بعد إِسماعيل.

قوله تعالى: وَكُلًّا أي: وكلاًّ من هذين. وقال مقاتل: وَكُلًّا يعني إِبراهيم وإسحاق ويعقوب جَعَلْنا نَبِيًّا.

قوله تعالى: وَوَهَبْنا لَهُمْ مِنْ رَحْمَتِنا قال المفسرون: المال والولد والعِلْم والعمل، وَجَعَلْنا لَهُمْ لِسانَ صِدْقٍ عَلِيًّا أي: ذِكْراً حَسَناً في النّاس مرتفعاً، فجميع أهل الأديان يتولَّون إِبراهيم وذريَّته ويُثنون عليهم، فوضع اللسان مكان القول، لأن القول يكون باللسان.

[سورة مريم (١٩) : الآيات ٥١ الى ٥٣]

وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ مُوسى إِنَّهُ كانَ مُخْلَصاً وَكانَ رَسُولاً نَبِيًّا (٥١) وَنادَيْناهُ مِنْ جانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ وَقَرَّبْناهُ نَجِيًّا (٥٢) وَوَهَبْنا لَهُ مِنْ رَحْمَتِنا أَخاهُ هارُونَ نَبِيًّا (٥٣)

قوله تعالى: إِنَّهُ كانَ مُخْلَصاً قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وابن عامر، والمفضل عن عاصم: «مُخْلِصاً» بكسر اللام. وقرأ حمزة، والكسائى، وحفص عن عاصم بفتح اللام. قال الزجاج:

المُخْلِص، بكسر اللام: الذي وحَّد الله، وجعل نفسه خالصة في طاعة الله غيرَ دَنِسة، والمُخْلَص، بفتح اللام: الذي أخلصه الله، وجعله مختاراً خالصاً من الدَّنَس.

<<  <  ج: ص:  >  >>