للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عباس، وبه قال الحسن، وسعيد بن جبير، ومجاهد، وعطاء، وعكرمة واختلف هؤلاء بأيِّ لغة هي، على أربعة أقوال: أحدها: بالنبطيّة، رواه عكرمة عن ابن عباس، وبه قال سعيد بن جبير في رواية، والضحاك. والثاني: بلسان عكّ، رواه أبو صالح عن ابن عباس. والثالث: بالسريانية، قاله عكرمة في رواية، وسعيد بن جبير في رواية، وقتادة. والرابع: بالحبشية، قاله عكرمة في رواية. قال ابن الأنباري:

ولغة قريش وافقت هذه اللغة في المعنى. والثاني: أنها حروف من أسماء. ثم فيها قولان: أحدهما:

أنها من أسماء الله تعالى. ثم فيها قولان: أحدهما: أن الطاء من اللطيف، والهاء من الهادي، قاله ابن مسعود، وأبو العالية، والثاني: أن الطاء افتتاح اسمه «طاهر» و «طيِّب» والهاء افتتاح اسمه «هادي» قاله سعيد بن جبير. والقول الثاني: أنها من غير أسماء الله تعالى. ثم فيه ثلاثة أقوال: أحدها: أن الطاء من طابة وهي مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلّم، والهاء من مكة، حكاه أبو سليمان الدمشقي. والثاني: أن الطاء: طرب أهل الجنة، والهاء: هوان أهل النار. والثالث: أن الطاء في حساب الجُمل تسعة، والهاء خمسة، فتكون أربعة عشر. فالمعنى: يا أيها البدر ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى، حكى القولين الثعلبي.

والثالث: أنه قَسَم أقسم الله به، وهو من أسمائه، رواه عليّ بن أبي طلحة عن ابن عباس. وقد شرحنا معنى كونه اسماً في فاتحة (مريم) . وقال القرظي: أقسم الله بطوله وهدايته وهذا القول قريب المعنى من الذي قبله. والرابع: أن معناه: طأِ الأرض بقدميك، قاله مقاتل بن حيّان. ومعنى قوله تعالى لِتَشْقى: لتتعب وتبلغ من الجهد ما قد بلغتَ، وذلك أنه اجتهد في العبادة وبالغ، حتى إنه كان يرواح بين قدميه لطول القيام، فأُمر بالتخفيف.

قوله تعالى: إِلَّا تَذْكِرَةً قال الأخفش: هو بدل من قوله تعالى: لِتَشْقى ما أنزلناه إِلا تذكرةً، أي: عظةً. قوله تعالى: تَنْزِيلًا قال الزجاج: المعنى: أنزلناه تنزيلا، والْعُلى جمع العُلَيا، تقول: سماء عُلْيا، وسماوات عُلَى، مثل الكُبرى، والكُبَر، فأما «الثرى» فهو التراب النديّ، والمفسرون يقولون: أراد الثرى الذي تحت الأرض السابعة.

قوله تعالى: وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ أي: ترفع صوتك فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ والمعنى: لا تجهد نفسك برفع الصوت، فإن الله يعلم السرّ. وفي المراد ب «السِّرَّ وأخفى» خمسة أقوال «١» : أحدها: أن السرّ: ما أسره الإِنسان في نفسه، وأخفى: ما لم يكن بَعْدُ وسيكون، رواه جماعة عن ابن عباس، وبه قال الضحاك. والثاني: أن السرّ: ما حدَّثتَ به نفسك، وأخفى: ما لم تلفظ به، قاله سعيد بن جبير.

والثالث: أن السرّ: العمل الذي يُسِرُّه الإِنسان من الناس، وأخفى منه: الوسوسةُ، قاله مجاهد.

والرابع: أن معنى الكلام: يعلم إِسرار عباده وقد أخفى سرَّه عنهم فلا يُعْلَم، قاله زيد بن أسلم، وابنه.

والخامس: يعلم ما أسرَّه الإِنسان إِلى غيره، وما أخفاه في نفسه، قاله الفراء. قوله تعالى: لَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى قد شرحناه في سورة الأعراف «٢» .


(١) قال الطبري رحمه الله ٨/ ٣٩٤: والصواب من القول في ذلك، معناه: يعلم السرّ وأخفى من السر، لأن ذلك هو الظاهر من الكلام. فإنه يعلم السر وأخفى من السر وهو ما علم الله مما أخفى عن عباده ولم يعلموه مما هو كائن ولم يكن.
(٢) سورة الأعراف: ١٨٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>