للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أحدها: من قبل بلوغه، قاله أبو صالح عن ابن عباس. والثاني: آتيناه ذلك في العِلْم السابق، قاله الضحاك عن ابن عباس. والثالث: مِنْ قَبْل موسى وهارون، قاله الضحاك. وقد أشرنا إِلى قصة إِبراهيم في الأنعام «١» . قوله تعالى: وَكُنَّا بِهِ عالِمِينَ أي: علمنا أنه موضع لإِيتاء الرُّشد. ثم بيَّن متى آتاه فقال: إِذْ قالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ ما هذِهِ التَّماثِيلُ يعني: الأصنام، والتمثال: اسم للشيء المصنوع مشبَّهاً بِخَلْق من خَلْق الله تعالى، وأصله من مثَّلث الشيء بالشيء: إِذا شبَّهته به، وفي قوله تعالى: الَّتِي أَنْتُمْ لَها أي: على عبادتها عاكِفُونَ أي: مقيمون، فأجابوه أنهم رأوا آباءهم يعبدونها فاقتدَوا بهم فأجابهم بأنهم فيما فعلوا وآباءَهم في ضلال مبين، قالُوا أَجِئْتَنا بِالْحَقِّ. ينون: أجادٌّ أنتَ، أم لاعب؟! قوله تعالى: لَأَكِيدَنَّ أَصْنامَكُمْ الكيد: احتيال الكائد في ضرّ المكيد. والمفسرون يقولون: لأكيدنها بالكسر بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا أي: تذهبوا عنها، وكان لهم عيد في كل سنة يخرجون إِليه ولا يخلِّفون بالمدينة أحداً، فقالوا لإِبراهيم: لو خرجتَ معنا إِلى عيدنا أعجبكَ دِيننا، فخرج معهم، فلما كان ببعض الطريق، قال: إِني سقيم، وألقى نفسه، وقال سِرّاً منهم: «وتالله لأكيدنَّ أصنامكم» ، فسمعه رجل منهم، فأفشاه عليه، فرجع إِلى بيت الأصنام، وكانت- فيما ذكره مقاتل بن سليمان- اثنين وسبعين صنماً من ذهب وفضة ونحاس وحديد وخشب، فكسرها، ثم وضع الفأس في عنق الصنم الكبير، فذلك قوله: فَجَعَلَهُمْ جُذاذاً قرأ الأكثرون: «جُذاذاً» بضم الجيم. وقرأ أبو بكر الصدّيق، وابن مسعود، وأبو رزين، وقتادة، وابن محيصن، والأعمش، والكسائي: «جِذاذاً» بكسر الجيم. وقرأ أبو رجاء العطاردي، وأيوب السختياني، وعاصم الجحدري: «جَذاذاً» بفتح الجيم. وقرأ الضحاك، وابن يعمر: «جذاذا» بفتح الجيم من غير ألف. وقرأ معاذ القارئ، وأبو حيوة، وابن وثَّاب: «جُذذاً» بضم الجيم منن غير ألف. قال أبو عبيدة: أي: مستأصَلين، قال جرير:

بَني المهلَّب جَذَّ اللهُ دَابِرَهُم ... أَمْسَوْا رَمَاداً فلا أصلٌ ولا طَرَفُ «٢»

أي: لم يَبْقَ منهم شيء، ولفظ «جُذاذ» يقع على الواحد والاثنين والجميع من المذكَّر والمؤنَّث.

وقال ابن قتيبة: «جُذاذاً» أي: فُتاتاً، وكلُّ شيء كسرتَه فقد جَذَذْتَه، ومنه قيل للسَّويق: الجذيذ. وقرأ الكسائي: «جِذاذاً» بكسر الجيم على أنه جمع جَذيذ، مثل ثَقيل وثِقال، وخَفيف وخِفاف. والجذيذ بمعنى: المجذوذ، وهو المكسور. إِلَّا كَبِيراً لَهُمْ أي: كسر الأصنامَ إِلا أكبرها. قال الزّجّاج:


(١) سورة الأنعام: ٧٥.
(٢) البيت في ديوانه: ٣٩٠ و «الكامل» : ٥١٠. وفي «اللسان» : طرف القوم: رئيسهم. [.....]

<<  <  ج: ص:  >  >>