للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[سورة الأنبياء (٢١) : الآيات ٦٨ الى ٧٣]

قالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فاعِلِينَ (٦٨) قُلْنا يا نارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماً عَلى إِبْراهِيمَ (٦٩) وَأَرادُوا بِهِ كَيْداً فَجَعَلْناهُمُ الْأَخْسَرِينَ (٧٠) وَنَجَّيْناهُ وَلُوطاً إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بارَكْنا فِيها لِلْعالَمِينَ (٧١) وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ نافِلَةً وَكُلاًّ جَعَلْنا صالِحِينَ (٧٢)

وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا وَأَوْحَيْنا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْراتِ وَإِقامَ الصَّلاةِ وَإِيتاءَ الزَّكاةِ وَكانُوا لَنا عابِدِينَ (٧٣)

قوله تعالى: وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ أي: بتحريقه، لأنه يَعيبها إِنْ كُنْتُمْ فاعِلِينَ أي: ناصريها.

الإِشارة إِلى القصة

ذكر أهل التفسير أنهم حبسوا إِبراهيم عليه السلام في بيت ثم بنَوا له حَيْراً طول جداره ستون ذراعاً إِلى سفح جبل منيف، ونادى منادي الملك: أيها الناس احتطبوا لإِبراهيم، ولا يتخلفنَّ عن ذلك صغير ولا كبير، فمن تخلَّف أُلقي في تلك النار، ففعلوا ذلك أربعين ليلة، حتى إِن كانت المرأة لتقول: إِن ظفرتُ بكذا لأحتطبنّ لنار إبراهيم، حتى إذا كاد الحطب يساوي رأس الجدار سدوا أبواب الحَيْر وقذفوا فيه النار، فارتفع لهبا، حتى إن الطائر ليمرُّ بها فيحترق من شدة حرِّها، ثم بنَوا بنياناً شامخاً، وبنَوا فوقه منجنيقاً، ثم رفعوا إِبراهيم على رأس البنيان، فرفع إِبراهيم رأسه إِلى السماء، فقال: اللهم أنت الواحد في السماء، وأنا الواحد في الأرض، ليس في الأرض أحد يعبدك غيري، حسبي الله ونعم الوكيل فقالت السماء والأرض والجبال والملائكة: ربَّنا إِبراهيمُ يُحرَق فيكَ، فائذن لنا في نصرته فقال: أنا أعلمُ به، وإِن دعاكم فأغيثوه فقذفوه في النار وهو ابن ست عشرة سنة، وقيل: ست وعشرين، فقال:

«حسبي الله ونعم الوكيل» . فاستقبله جبريل، فقال: يا إِبراهيم ألكَ حاجة؟ قال: أمّا إِليك، فلا، قال جبريل: فسل ربَّك، فقال: «حسبي من سؤالي علمه بحالي» «١» ، فقال الله عزّ وجلّ: يا نارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماً عَلى إِبْراهِيمَ، فلم تبق نار على وجه الأرض يومئذ إِلا طُفئت وظنَّت أنها عُنيت. وزعم السدي أن جبريل هو الذي ناداها. وقال ابن عباس: لو لم يُتبع بردها سلاماً لمات إِبراهيم من بردها، قال السدي:

فأخذت الملائكة بضَبْعَي «٢» إِبراهيم فأجلسوه على الأرض، فإذا عين من ماءٍ عذْب، وورد أحمر، ونرجس، قال كعب ووهب: فما أحرقت النار من إِبراهيم إِلا وَثاقه، وأقام في ذلك الموضع سبعة أيام، وقال غيرهما: أربعين أو خمسين يوماً، فنزل جبريل بقميص من الجنة وطنفسة «٣» من الجنة، فألبسه القميص، وأجلسه على الطنفسة وقعد معه يحدثه. وإِن آزر أتى نمرود فقال: أئذن لي أن أُخرِج عظام إِبراهيم فأدفنها، فانطلق نمرود ومعه الناس، فأمر بالحائط فنُقب، فإذا إبراهيم في روضة يهتزّ وثيابه تندى، وعليه القميص وتحته الطنفسة والملَك إِلى جنبه، فناداه نمرود: يا إِبراهيم إِن إلهك الذي بلغتْ قُدرته هذا لكبيرٌ، هل تستطيع أن تخرج؟ قال: نعم، فقام إِبراهيم يمشي حتى خرج، فقال: مَن الذي رأيتُ معك؟ قال: ملَك أرسله إِليَّ ربِّي ليؤنسني، فقال نمرود: إِني مقرِّب لإِلهك قرباناً لِما رأيت من


(١) هذا من الإسرائيليات، وهو معارض بكتاب الله فإن الله أمر عباده أن يسألوه في السراء والضراء. [.....]
(٢) في «اللسان» : الضّبع: وسط العضد بلحمه يكون للإنسان وغيره.
(٣) في «اللسان» الطّنفسة: النّمرقة فوق الرجل، وقيل: البساط الذي له خمل رقيق.

<<  <  ج: ص:  >  >>