للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رجل منهم بعد أن نام، ووطيء رجل بعد أن نام، فسألوا: كيف التوبة مما عملوا؟ فنزلت هذه الآية، قاله مقاتل. ومعنى الكلام: إذا سألوك عني فأعلمهم أني قريب.

وفي معنى «أجيب» قولان: أحدهما: أسمع، قاله الفراء، وابن القاسم. والثاني: أنه من الإِجابة:

فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي، أي: فليجيبوني. قال الشاعر:

فلم يستجبه عند ذاك مجيب أراد: فلم يجبه. وهذا قول أبي عبيدة، وابن قتيبة، والزجاج. لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ، قال أبو العالية: يعني: يهتدون.

فصل: إن قال قائل: هذه الآية تدل على أن الله تعالى يجيب أدعية الداعين، وترى كثيراً من الداعين لا يستجاب لهم! (٦٨) فالجواب: أن أبا سعيد روى عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، أنه قال: «ما من مسلم دعا الله بدعوة ليس فيها قطيعة رحم ولا إِثم إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث خصال: إِما أن يعجل دعوته، وإِما أن يدخرها له في الآخرة، وإِما أن يدفع عنه من السوء مثلها» .

وجواب آخر: وهو أن الدعاء تفتقر إجابته إلى شروط أصلها الطاعة لله، ومنها أكل الحلال، فإن أكل الحرام يمنع إجابة الدعاء، ومنها حضور القلب.

(٦٩) ففي بعض الحديث: «لا يقبل الله دعاءً من قلب غافل لاه» .


صحيح. أخرجه أحمد ٣/ ١٨ والبخاري في «الأدب المفرد» ٧١٠ والحاكم ١/ ٤٩٣ من حديث أبي سعيد وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي وكذا صححه القاضي عبد الحق كما نقل القرطبي ٩١٩ بتخريجنا.
وله شاهد أخرجه البخاري في «الأدب المفرد» ٧١١ من حديث أبي هريرة وإسناده حسن.
حديث ضعيف، لا يتقوى بشواهده بسبب شدة ضعفها. أخرجه أحمد ٢/ ١٧٧ من طريق حسن عن ابن لهيعة عن بكر بن عمرو عن أبي عبد الرحمن الحبلي عن عبد الله بن عمرو بن العاص «أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال:
القلوب أوعية، وبعضها أوعى من بعض، فإذا سألتم الله عزّ وجلّ أيها الناس فاسألوه وأنتم موقنون بالإجابة، فإن الله لا يستجيب لعبد دعاه عن ظهر قلب غافل» . إسناده ضعيف مداره على ابن لهيعة، وقد اختلط، وليس الراوي عنه أحد العبادلة. ومع ذلك قال المنذري في «الترغيب» ٢٤٥٩: رواه أحمد بإسناد حسن!!. وتبعه على ذلك الهيثمي في «المجمع» ١/ ١٤٧/ ١٣٢٠٣ فقال: رواه أحمد بإسناد حسن!!، وصححه أحمد شاكر في «المسند» ٦٦٥٥؟!.
- وله شاهد من حديث ابن عمر: أخرجه الطبراني كما في «المجمع» ١٠/ ١٤٧/ ١٧٢٠٥ وقال الهيثمي: فيه بشير بن ميمون الواسطي، وهو مجمع على ضعفه. قلت: بل هو متروك، قال البخاري: يذكر بوضع الحديث، وقال النسائي متروك، فهذا شاهد لا يفرح به، ولا فائدة منه. وله شاهد من حديث أبي هريرة:
أخرجه الترمذي ٣٤٧٩ والحاكم ١/ ٤٩٣ وابن حبان في «المجروحين» ١/ ٣٧٢ والخطيب ٤/ ٣٥٦ وابن عدي ٤/ ٦٢ وابن عساكر ٤/ ٣٦٠ من طرق عن صالح بن بشير المري عن هشام بن حسان عن ابن سيرين عن أبي هريرة به مرفوعا. وإسناده واه لأجل صالح بن بشير. قال الذهبي في «الميزان» ٢/ ٢٨٩: ضعفه ابن معين والدارقطني، وقال أحمد: هو صاحب قصص، ليس هو صاحب حديث، ولا يعرف الحديث، وقال الفلاس:
منكر الحديث جدا، وقال النسائي: متروك، وقال البخاري منكر الحديث. قال الذهبي: وروى عباس عن يحيى: ليس به بأس، لكن روى خمسة عن يحيى جرحه. وقال ابن حبان: كان يروي الشيء الذي سمعه من ثابت والحسن وهؤلاء على التوهم، فيجعله عن أنس عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فظهر في روايته الموضوعات التي يرويها عن الأثبات، واستحق الترك، وكان ابن معين شديد الحمل عليه، وهو الذي يروي عن هشام عن ابن سيرين عن أبي هريرة عن النبي صلّى الله عليه وسلّم «ادعوا الله..» الحديث. قلت: فالرجل ضعيف جدا متروك الحديث، وقد جاء بهذا المتن عن هشام عن ابن سيرين وحده، ولم يتابع عليه، ولو كان هذا الحديث عند هشام أو ابن سيرين لرواه الثقات لأن كلا منهما إمام يجمع حديثه، فكيف ولم يتابعه عليه ضعيف مثله أو دونه،، لذا أورده ابن حبان وابن عدي وغيرهما في كتب الضعفاء. وضعفه الترمذي بقوله: غريب. وأما الحاكم، فقال: حديث مستقيم الإسناد، تفرد به صالح المري وهو أحد زهاد البصرة. وتعقبه الذهبي بقوله: قلت: صالح متروك.
وقال المنذري ٢٤٦٠ بعد كلام الحاكم: صالح لا شك في زهده،. لكن تركه أبو داود والنسائي. وذكر ذلك الألباني في «الصحيحة» ٥٩٤ وقال: لكن روي له شاهد بسند ضعيف أخرجه أحمد ٢/ ١٧٧ فذكر حديث ابن عمرو المتقدم. قلت: ولم يصب الألباني بإدراجه في «الصحيحة» بل وليس هو من قبيل الحسن لشدة ضعف حديث أبي هريرة، ويكفي في ذلك قول البخاري عن صالح المري: منكر الحديث. وقد قال البخاري: كل من قلت عنه منكر الحديث، فلا تحل الرواية عنه.
- الخلاصة: حديث أبي هريرة ضعيف جدا وكذا حديث ابن عمر، وأما حديث ابن عمرو فهو ضعيف فحسب، ولا يتقوى بشاهديه لشدة ضعف إسناديهما، والله أعلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>