للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى (٩٩٩) سبب نزولها أنه لما نزلت: «إِنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم» شَقَّ ذلك على قريش، وقالوا: شتم آلهتنا، فجاء ابن الزّبعرى، فقال: ما لكم؟ قالوا: شتم آلهتنا، قال: وما قال؟

فأخبروه، فقال: ادعوه لي، فلمّا دعي رسول الله صلى الله عليه وسلّم، قال: يا محمد، هذا شيء لآلهتنا خاصة، أو لكل من عُبد من دون الله؟ قال: «لا، بل لكل من عُبد من دون الله» ، فقال ابن الزِّبعرى: خُصمْتَ وربِّ هذا البيت، ألستَ تزعم أن الملائكة عباد صالحون، وأن عيسى عبد صالح، وأن عزيراً عبد صالح، فهذه بنو مليح يعبدون الملائكة، وهذه النصارى تعبد عيسى، وهذه اليهود تعبد عزيراً، فضج أهل مكة، فنزلت هذه الآية، قاله ابن عباس. وقال الحسين بن الفضل: إِنما أراد بقوله: وَما تَعْبُدُونَ الأصنام دون غيرها، لأنه لو أراد الملائكة والناس، لقال: «ومَنْ» وقيل: «إِنَّ» بمعنى: «إِلاَّ» ، فتقديره: إِلا الذين سبقت لهم مِنّا الحسنى، وهي قراءة ابن مسعود، وأبي نهيك، فإنهما قرءا: «إِلا الذين» . وروي عن عليّ بن أبي طالب أنه قرأ هذه الآية، فقال: أنا منهم، وأبو بكر، وعمر، وعثمان، وطلحة، والزبير، وسعد، وعبد الرحمن.

وفي المراد «بالحسنى» قولان: أحدهما: الجنة، قاله ابن عباس، وعكرمة. والثاني: السعادة، قاله ابن زيد. قوله تعالى: أُولئِكَ عَنْها أي: عن جهنم، وقد تقدم ذكرها مُبْعَدُونَ والبعد: طول المسافة، والحسيس: الصوت تسمعه من الشيء إِذا مَرَّ قريباً منك، قال ابن عباس: لا يسمع أهل الجنة حسيس أهل النار إِذا نزلوا منازلهم من الجنة.

قوله تعالى: لا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وقرأ أبو رزين وقتادة، وابن أبي عبلة، وابن محيصن، وأبو جعفر الشيزري عن الكسائي: «لا يُحْزِنُهُم» بضم الياء وكسر الزاي.

وفي الفزع الأكبر أربعة أقوال: أحدها: أنه النفخة الآخرة، رواه العوفي عن ابن عباس وبهذه النفخة يقوم الناس من قبورهم، ويدل على صحة هذا الوجه قوله تعالى: وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ.

والثاني: أنه إِطباق النار على أهلها، رواه سعيد بن جبير، عن ابن عباس، وبه قال الضحاك. والثالث:

أنه ذبح الموت بين الجنة والنار، وهو مروي عن ابن عباس أيضاً، وبه قال ابن جريج. والرابع: أنه حين يؤمر بالعبد إِلى النار، قاله الحسن البصري.

وفي مكان تلقّي الملائكة لهم قولان: أحدهما: إِذا قاموا من قبورهم، قاله مقاتل. والثاني: على أبواب الجنة، قاله ابن السائب.

قوله تعالى: هذا يَوْمُكُمُ فيه إِضمار: «يقولون» هذا يومكم الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ فيه


أخرجه الواحدي ٦١٦ والطبراني ١٢/ ١٥٣ عن ابن عباس، وفيه عاصم بن بهدلة، وهو صدوق يخطئ.
وأخرجه الطبري ٢٤٨٣٥ مطولا عن ابن إسحاق مرسلا. وقال ابن كثير رحمه الله في «تفسيره» ٣/ ٢٥١: وهذا الذي قاله ابن الزبعرى خطأ كبير، لأن الآية إنما نزلت خطابا لأهل مكة في عبادتهم الأصنام التي هي جماد لا تعقل، ليكون ذلك تقريعا وتوبيخا لعابديها، ولهذا قال: إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ فكيف يورد على المسيح والعزير ونحوهما ممن له عمل صالح، ولم يرض بعبادة من عبده، وعوّل ابن جرير في «تفسيره» في الجواب على أن «ما» لما لا يعقل عند العرب. وقد أسلم ابن الزبعرى بعد ذلك.

<<  <  ج: ص:  >  >>