للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فحقُّها أن تكون أول الكلام، فقدِّمت لتجعل في حقِّها. قال السدي: ضره في الآخرة بعبادته إِياه أقربُ من نفعه.

فإن قيل: فهل للنفع من عبادة الصنم وجه؟ فالجواب: أنه لا نفع من قِبَلِه أصلاً، غير أنه جاء على لغة العرب، وهم يقولون في الشيء الذي لا يكون: هذا بعيد.

قوله تعالى: لَبِئْسَ الْمَوْلى وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ قال ابن قتيبة: المولى: الولي. والعشير: الصاحب، والخليل.

[سورة الحج (٢٢) : الآيات ١٥ الى ١٧]

مَنْ كانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّماءِ ثُمَّ لْيَقْطَعْ فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ ما يَغِيظُ (١٥) وَكَذلِكَ أَنْزَلْناهُ آياتٍ بَيِّناتٍ وَأَنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يُرِيدُ (١٦) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصارى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (١٧)

قوله تعالى: مَنْ كانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللَّهُ قال مقاتل: نزلت في نفر من أسد، وغطفان، قالوا: إِنا نخاف أن لا يُنْصَرَ محمدٌ، فينقطع الذي بيننا وبين حلفائنا من اليهود، وإِلى نحو هذا ذهب أبو حمزة الثمالي، والسدي «١» . وحكى أبو سليمان الدمشقي أن الإِشارة بهذه الآية إِلى الذين انصرفوا عن رسول الله لأن أرزاقهم ما اتَّسعت، وقد شرحنا القصة في قوله تعالى: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلى حَرْفٍ «٢» . وفي هاء «ينصره» قولان «٣» : أحدهما: أنها ترجع على «مَن» ، والنصر: بمعنى الرزق، هذا معنى قول ابن عباس في رواية عطاء، وبه قال مجاهد. قال أبو عبيدة: وقف علينا سائل من بني بكر، فقال: مَنْ ينصرني نصره الله، أي: من يعطيني أعطاه الله، ويقال: نصر المطر أرض كذا، أي:

جادها، وأحياها، قال الرّاعي:

وانصري أرض عامر «٤»


(١) عزاه المصنف لمقاتل، وهو ممن يضع الحديث، فهذا الخبر لا شيء.
وذكره الطبري ٩/ ٢٠ بدون إسناد، ومن غير عزو لأحد.
(٢) سورة الحج: ١١.
(٣) قال الطبري رحمه الله ٩/ ١٢٠: وأولى ذلك بالصواب عندي في تأويل ذلك قول من قال: الهاء من ذكر نبي الله صلى الله عليه وسلّم ودينه، وذكر هذه الآية توبيخا لمن ارتدوا عن دينهم، وشكوا فيه، استبطاء منهم السعة في العيش، أو السبوغ في الرزق، فمن كان يحسب أن لن يرزق الله محمدا صلى الله عليه وسلّم وأمته في الدنيا فيوسع عليهم من فضله فيها، ويرزقهم في الآخرة من سني عطاياه وكرامته، استبطاء منه فعل الله ذلك به وبهم فليمدد بحبل إلى سماء فوقه:
إما سقف بيت، أو غيره، مما يعلق به السبب من فوقه ثم يختنق إذا اغتاظ من بعض ما قضى الله له من ذلك عن ميقاته ولا يعجل قبل حينه. ووافقه ابن كثير رحمه الله في «تفسيره» ٣/ ٢٦٤ وقال: وهو الأولى والأظهر في المعنى وأبلغ في التهكم، فإن المعنى: من ظن أن الله ليس بناصر محمدا صلى الله عليه وسلّم وكتابه ودينه فليذهب فليقتل نفسه، إن كان ذلك غائظه فإن الله ناصره لا محالة، قال تعالى: إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهادُ يَوْمَ لا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ. ولهذا قال: فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ ما يَغِيظُ.
(٤) هو جزء من عجز بيت وتمامه:
إِذا أدبر الشهر الحرام فودعي ... بلاد تميم وانْصُرِي أَرْضَ عَامِرِ

<<  <  ج: ص:  >  >>