للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الرسول الصابر ليتأسَّى به في صبره، وليعلم أن الرسل قبله قد كُذِّبوا.

قوله تعالى: يُرِيدُ أَنْ يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ أي: يعلوكم بالفضيلة، فيصير متبوعاً، وَلَوْ شاءَ اللَّهُ أن لا يُعبَد شيء سواه لَأَنْزَلَ مَلائِكَةً تبلّغ عنه أمره، لم يرسل بشراً ما سَمِعْنا بِهذا الذي يدعونا إِليه نوح من التوحيد فِي آبائِنَا الْأَوَّلِينَ. فأما الجِنَّةُ فمعناها: الجنون.

وفي قوله: حَتَّى حِينٍ قولان: أحدهما: أنه الموت، فتقديره: انتظروا موته. والثاني: أنه وقت منكَّر. قوله تعالى: قالَ رَبِّ انْصُرْنِي وقرأ عكرمة، وابن محيصن: «قال ربُّ» بضم الباء، وفي القصّة الأخرى. قوله تعالى: بِما كَذَّبُونِ وقرأ يعقوب: «كذَّبوني» بياء، وفي القصة التي تليها أيضاً:

«فاتقوني» «أن يحضروني» «ربّ ارجعوني» «ولا تكلّموني» أثبتهن في الحالين يعقوب، والمعنى:

انصرني بتكذيبهم، أي: انصرني بإهلاكهم جزاءً لهم بتكذيبهم. فَأَوْحَيْنا إِلَيْهِ قد شرحناه في هود «١» إِلى قوله: فَاسْلُكْ فِيها أي: أدخل في سفينتك مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وابن عامر، وحمزة، والكسائي، وأبو بكر عن عاصم: «من كلِّ» بكسر اللام من غير تنوين. وقرأ حفص عن عاصم: مِنْ كُلٍّ بالتنوين. قال أبو علي: قراءة الجمهور إِضافة «كلّ» إِلى «زوجين» وقراءة حفص تؤول إِلى زوجين، لأن المعنى: من كل الأزواج زوجين. قوله تعالى:

وَقُلْ رَبِّ أَنْزِلْنِي مُنْزَلًا قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وابن عامر، وحمزة، والكسائي، وحفص عن عاصم: «مُنْزَلاً» بضم الميم. وروى أبو بكر عن عاصم فتحها. والمَنزِلُ، بفتح الميم: اسم لكل ما نزلتَ به، والمُنْزَلُ، بضمها: المصدر: بمعنى الإِنزال، تقول: أنزلتُه إِنزالاً ومُنْزَلاً. وفي الوقت الذي قال فيه نوح ذاك قولان: أحدهما: عند نزوله في السفينة. والثاني: عند نزوله من السفينة.

قوله تعالى: إِنَّ فِي ذلِكَ أي: في قصة نوح وقومه لَآياتٍ وَإِنْ كُنَّا أي: وما كنا لَمُبْتَلِينَ أي: لمختبرين إِياهم بإرسال نوح إِليهم. ثُمَّ أَنْشَأْنا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْناً آخَرِينَ يعني عاداً فَأَرْسَلْنا فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ وهو هود، هذا قول الأكثرين وقال أبو سليمان الدمشقي: هم ثمود، والرسول صالح. وما بعد هذا ظاهر إِلى قوله: أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ قال الزجاج: موضع «أنَّكم» نصب على معنى: أَيَعِدُكُمْ أنَّكم مخرجون إِذا مِتُّم فلما طال الكلام أُعيد ذِكْر «أنَّ» كقوله: أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ يُحادِدِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ «٢» .

قوله تعالى: هَيْهاتَ هَيْهاتَ قرأ ابن كثير، ونافع، وعاصم، وأبو عمرو، وابن عامر، وحمزة، والكسائي: هَيْهاتَ هَيْهاتَ بفتح التاء فيهما في الوصل، وإسكانها في الوقف. وقرأ أبيّ بن كعب، وأبو مجلز، وهارون عن أبي عمرو: «هيهاتاً هيهاتاً» بالنصب والتنوين. وقرأ ابن مسعود، وعاصم الجحدري، وأبو حيوة الحضرمي، وابن السميفع: «هيهاتٌ هيهاتٌ» بالرفع والتنوين. وقرأ أبو العالية، وقتادة: «هيهاتٍ هيهاتٍ» بالخفض والتنوين. وقرأ أبو جعفر: «هيهاتِ هيهاتِ» بالخفض من غير تنوين، وكان يقف بالهاء. وقرأ أبو المتوكل الناجي، وسعيد بن جبير، وعكرمة: «هيهاتُ هيهاتُ» بالرفع من غير تنوين، وقرأ معاذ القارئ، وابن يعمر، وأبو رجاء، وخارجة عن أبي عمرو: «هيهات هيهات»


(١) سورة هود: ٣٧.
(٢) سورة التوبة: ٦٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>