للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي المراد بقوله: مَهْجُوراً قولان: أحدهما: متروكاً لا يلتفتون إِليه ولا يؤمنون به، وهذا معنى قول ابن عباس، ومقاتل. والثاني: هجَروا فيه، أي: جعلوه كالهذَيان، ومنه يقال: فلان يَهْجُر في منامه، أي: يَهْذِي، قاله ابن قتيبة. وقال الزجاج: الهُجْر: ما لا يُنتفع به من القول: قال المفسرون:

فعزّاه الله عزّ وجلّ، فقال: وَكَذلِكَ جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا أي: كما جعلنا لك أعداءً من مشركي قومك، جعلنا لكلِّ نبيّ عدوّاً من كفّار قومه والمعنى: لا يَكْبُرَنَّ هذا عليك، فلك بالأنبياء أسوة وَكَفى بِرَبِّكَ هادِياً لك وَنَصِيراً يمنعك من عدوِك. قال الزجاج: والباء في قوله: بِرَبِّكَ زائدة فالمعنى: كفى ربُّك هاديا ونصيرا.

[سورة الفرقان (٢٥) : الآيات ٣٢ الى ٣٤]

وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً واحِدَةً كَذلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤادَكَ وَرَتَّلْناهُ تَرْتِيلاً (٣٢) وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلاَّ جِئْناكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً (٣٣) الَّذِينَ يُحْشَرُونَ عَلى وُجُوهِهِمْ إِلى جَهَنَّمَ أُوْلئِكَ شَرٌّ مَكاناً وَأَضَلُّ سَبِيلاً (٣٤)

قوله تعالى: لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً واحِدَةً أي: كما أُنزلت التوراةُ والإِنجيل والزَّبور، فقال الله عزّ وجلّ: كَذلِكَ أي: أنزلناه كذلك متفرِّقاً، لأن معنى ما قالوا: لِمَ نُزِّل عليه متفرِّقاً؟ فقيل:

إِنما أنزلناه كذلك لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤادَكَ أي: لنُقَوِّي به قلبَك فتزداد بصيرة، وذلك أنه كان يأتيه الوحي في كل أمر وحادثة، فكان أقوى لقلبه وأنور لبصيرته وأبعد لاستيحاشه، وَرَتَّلْناهُ تَرْتِيلًا أي: أنزلناه على الترتيل، وهو التمكُّث الذي يُضادُّ العَجَلة.

قوله تعالى: وَلا يَأْتُونَكَ يعني المشركين بِمَثَلٍ يضربونه لك في مخاصمتك وإِبطال أمرك إِلَّا جِئْناكَ بِالْحَقِّ أي: بالذي هو الحقّ لنردّ به كيدهم وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً من مَثَلهم والتفسير: البيان والكشف. قال مقاتل: ثم أخبر بمستقرِّهم في الآخرة، فقال: الَّذِينَ يُحْشَرُونَ عَلى وُجُوهِهِمْ وذلك أن كفار مكة قالوا: إِن محمداً وأصحابه شُرُّ خلق الله، فنزلت هذه الآية. قوله تعالى: أُوْلئِكَ شَرٌّ مَكاناً أي: منزلاً ومصيراً وَأَضَلُّ سَبِيلًا ديناً وطريقاً من المؤمنين.

[سورة الفرقان (٢٥) : الآيات ٣٥ الى ٣٩]

وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَجَعَلْنا مَعَهُ أَخاهُ هارُونَ وَزِيراً (٣٥) فَقُلْنَا اذْهَبا إِلَى الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا فَدَمَّرْناهُمْ تَدْمِيراً (٣٦) وَقَوْمَ نُوحٍ لَمَّا كَذَّبُوا الرُّسُلَ أَغْرَقْناهُمْ وَجَعَلْناهُمْ لِلنَّاسِ آيَةً وَأَعْتَدْنا لِلظَّالِمِينَ عَذاباً أَلِيماً (٣٧) وَعاداً وَثَمُودَ وَأَصْحابَ الرَّسِّ وَقُرُوناً بَيْنَ ذلِكَ كَثِيراً (٣٨) وَكُلاًّ ضَرَبْنا لَهُ الْأَمْثالَ وَكُلاًّ تَبَّرْنا تَتْبِيراً (٣٩)

قوله تعالى: اذْهَبا إِلَى الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا. إِن قيل: إِنما عاينوا الآيات بعد وجود الرسالة، فكيف يقع التكذيب منهم قبل وجود الآيات؟ فالجواب: أنهم كانوا مكذِّبين أنبياءَ الله وكتبه

<<  <  ج: ص:  >  >>