للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قوله تعالى: ما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أي: على القرآن وتبليغ الوحي مِنْ أَجْرٍ وهذا توكيد لصِدْقه، لأنه لو سأَلهم شيئاً من أموالهم لاتَّهموه، إِلَّا مَنْ شاءَ معناه: لكن من شاء أَنْ يَتَّخِذَ إِلى رَبِّهِ سَبِيلًا بإنفاق ماله في مرضاة الله، فَعَل ذلك، فكأنه قال: لا أسألكم لنفسي. وقد سبق تفسير الكلمات التي تلي هذه «١» ، إلى قوله تعالى: فَسْئَلْ بِهِ خَبِيراً، و «به» بمعنى: «عنه» ، قال ابن أحمر «٢» :

فإن تسألوني بالنّساء فإنّي ... بَصِيرٌ بأَدْوَاءِ النِّسَاءِ طَبِيبُ

وفي هاء «به» ثلاثة أقوال: أحدها: أنها ترجع إِلى الله تعالى. والثاني: إِلى اسمه الرحمن، لأنهم قالوا: لا نعرف الرّحمن. الثالث: إِلى ما ذكر مِنْ خَلْق السموات والأرض وغير ذلك. وفي الخبير أربعة أقوال «٣» : أحدها: أنه جبريل، قاله ابن عباس: والثاني: أنه الله تعالى، والمعنى: سلني فأنا الخبير، قاله مجاهد. والثالث: القرآن، قاله شمر. والرابع: مُسْلِمة أهل الكتاب، قاله أبو سليمان، وهذا يخرَّج على قولهم: لا نعرف الرَّحمن، فقيل: سَلُوا مُسَلِمة أهل الكتاب، فإنّ الله خاطب موسى في التوراة باسمه الرحمن، فعلى هذا، الخطاب للنبيّ صلى الله عليه وسلّم والمراد سواه.

قوله تعالى: وَإِذا قِيلَ لَهُمُ يعني كفار مكة اسْجُدُوا لِلرَّحْمنِ قالُوا وَمَا الرَّحْمنُ قال المفسرون: إِنهم قالوا: لا نعرف الرَّحمن إِلا رحمن اليمامة، فأنكروا أن يكون من أسماء الله تعالى، أَنَسْجُدُ لِما تَأْمُرُنا وقرأ حمزة، والكسائي: «يأمُرُنا» بالياء، أي: لِمَا يأمرنا به محمّد، وهذا استفهام إنكار، ومعناها: لا نسجد للرَّحمن الذي تأمرنا بالسجود له، وَزادَهُمْ ذِكر الرحمن نُفُوراً أي: تباعداً من الإيمان.

[سورة الفرقان (٢٥) : الآيات ٦١ الى ٦٢]

تَبارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّماءِ بُرُوجاً وَجَعَلَ فِيها سِراجاً وَقَمَراً مُنِيراً (٦١) وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرادَ شُكُوراً (٦٢)

قوله تعالى: تَبارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّماءِ بُرُوجاً وَجَعَلَ فِيها سِراجاً قد شرحناه في الحجر «٤» : والمراد بالسراج: الشمس. وقرأ حمزة، والكسائي: «سُرُجاً» بضم السين والراء وإِسقاط الألف. قال الزجاج:

أراد: الشمس والكواكب العظام ويجوز «سُرْجاً» بتسكين الراء، مثل رُسْل ورُسُل. قال الماوردي: لما اقترن بضوء الشمس وهج حَرِّها، جعلها لأجل الحرارة سراجاً، ولمّا عدم ذلك في القمر جعله نورا.


(١) البقرة: ٣٠ وآل عمران: ١٥٩ والأعراف: ٥٤.
(٢) بل هو علقمة بن عبدة والبيت في ديوانه ١١ و «أدب الكاتب» ٥٠٥.
(٣) قال ابن كثير رحمه الله في «تفسيره» ٣/ ٤٠٢: وقوله: فَسْئَلْ بِهِ خَبِيراً أي: استعلم عنه من هو خبير به عالم به فاتبعه واقتد به، وقد علم أنه لا أحد أعلم بالله ولا أخبر به من عبده ورسوله محمد صلى الله عليه وسلّم- فهو سيد ولد آدم على الإطلاق، في الدنيا والآخرة، لا ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحي يوحى- فهو حق، وما أخبر به فهو صدق، وهو الإمام المحكم الذي إذا تنازع الناس في شيء وجب ردّ نزاعهم إليه، فما يوافق أقواله أفعاله فهو الحق، وما يخالفها فهو مردود على قائله وفاعله، كائنا من كان. قال تعالى: فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ، وقال: وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ.
(٤) الحجر: ١٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>