للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قوله تعالى: وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ خِلْفَةً فيه قولان: أحدهما: أن كل واحد منهما يخالف الآخر في اللون، فهذا أبيض، وهذا أسود، روى هذا المعنى الضحاك عن ابن عباس، وابن أبي نجيح عن مجاهد، وبه قال قتادة. والثاني: أن كل واحد منهما يَخْلُفُ صاحبه، رواه عمرو بن قيس الملائي عن مجاهد، وبه قال ابن زيد وأهل اللغة، وأنشدوا قول زهير:

بِهَا العِينُ والآرَامُ يَمْشِينَ خِلْفَةً ... وأطْلاؤُها يَنْهَضْنَ مِنْ كُلِّ مَجْثَمِ «١»

أي: إِذا ذهبت طائفة جاءت طائفة.

قوله تعالى: لِمَنْ أَرادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أي: يتَّعظ ويعتبر باختلافهما. وقرأ حمزة: «يَذْكُرَ» خفيفة الذال مضمومة الكاف، وهي في معنى: يتذكَّر، أَوْ أَرادَ شكر الله تعالى فيهما.

[سورة الفرقان (٢٥) : الآيات ٦٣ الى ٦٧]

وَعِبادُ الرَّحْمنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً وَإِذا خاطَبَهُمُ الْجاهِلُونَ قالُوا سَلاماً (٦٣) وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَقِياماً (٦٤) وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذابَها كانَ غَراماً (٦٥) إِنَّها ساءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقاماً (٦٦) وَالَّذِينَ إِذا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكانَ بَيْنَ ذلِكَ قَواماً (٦٧)

قوله تعالى: وَعِبادُ الرَّحْمنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ وقرأ عليّ، وأبو عبد الرحمن السلمي، وابن السميفع: «يُمَشَّون» برفع الياء وفتح الميم والشين وبالتشديد. قال ابن قتيبة: إِنما نسبهم إِليه لاصطفائه إِياهم، كقوله تعالى: ناقَةُ اللَّهِ «٢» ، ومعنى «هَوْناً» : مشياً رويداً. ومنه يقال: أَحْبِبْ حبيبك هَوْناً ما.

وقال مجاهد: يمشون بالوقار والسكينة. وَإِذا خاطَبَهُمُ الْجاهِلُونَ قالُوا سَلاماً أي: سَداداً. وقال الحسن: لا يجهلون على أحد، وإِن جهل عليهم حَلُموا. وقال مقاتل بن حيّان: «قالوا سلاماً» أي:

قولاً يسْلَمون فيه من الإِثم. وهذه الآية محكمة عند الأكثرين. وزعم قوم أن المراد بها أنهم يقولون للكفار: ليس بيننا وبينكم غير السلام، ثم نُسخت بآية السيف.

قوله تعالى: وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ قال الزجاج: كل من أدركه الليل فقد بات، نام أو لم ينم يقال: بات فلان قلِقاً، إِنما المبيت إِدراك الليل.

قوله تعالى: كانَ غَراماً فيه خمسة أقوال تتقارب معانيها:

(١٠٥٣) أحدها: دائماً، رواه أبو سعيد الخدري، عن رسول الله صلى الله عليه وسلّم.

والثاني: موجِعاً، رواه الضحاك عن ابن عباس. والثالث: مُلِحّاً، قاله ابن السائب وقال ابن جريج:


أخرجه عبد بن حميد كما في «الدر» ٥/ ١٤٢، ولم أقف على إسناده، وتفرده به يدل على وهنه، ولم يذكره القرطبي ولا ابن كثير ولا غيرهما. وانظر «تفسير الشوكاني» ١٧٩٨ بتخريجنا.

<<  <  ج: ص:  >  >>