للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تعبد، قال: وقد قيل: صدَّها سليمانُ، أي: منعها ما كانت تعبُد. قال الزجاج: المعنى: صدَّها عن الإِيمان العادةُ التي كانت عليها، لأنها نشأت ولم تعرِف إِلا قوماً يعبُدون الشمس، وبيَّن عبادتها بقوله:

إِنَّها كانَتْ مِنْ قَوْمٍ كافِرِينَ وقرأ سعيد بن جبير، وابن أبي عبلة: «أنَّها كانت» بفتح الهمزة.

قوله تعالى: يلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ

قال المفسرون: أمر الشياطين فبنَوا له صرحاً كهيئة السطح من زجاج. وفي سبب أمره بذلك ثلاثة أقوال: أحدهما: أنه أراد أن يريَها مُلكاً هو اعزُّ من مُلكها، قاله وهب بن منبِّه. والثاني: أنه أراد أن ينظر إِلى قدمها من غير أن يسألها كشفها، لأنه قيل له: إِن رجلها كحافر الحمار، فأمر ان يُهيَّأ لها بيت من قوارير فوق الماء، ووُضع سرير سليمان في صدر البيت، هذا قول محمد بن كعب القرظي. والثالث: أنه فعل ذلك ليختبرها كما اختبرته بالوصائف والوصفاء، ذكره ابن جرير. فأمّا الصَّرْح، فقال ابن قتيبة: هو القصر، وجمعه: صُروح، ومنه قول الهذليِّ:

تَحْسَبُ أعلامَهنَّ الصُّروحا «١» قال: ويقال: الصَّرْحُ بلاطٌ اتّخذ لها من قوارير، وجعل تحته ماءٌ وسمك، قال مجاهد: كانت بِركة من ماء ضرب عليها سليمان قوارير. وقال مقاتل: كان قصراً من قوارير بني على الماء وتحته السّمك. قوله تعالى: سِبَتْهُ لُجَّةً

وهي: معظم الماء كَشَفَتْ عَنْ ساقَيْها

لدخول الماء، فناداها سليمان نَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ

أي: مملّس نْ قَوارِيرَ

أي: من زُجاج فعلمتْ حينئذ أن ملك سليمان من الله تعالى، فالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي

أي: بعبادة غيرك. وقيل: ظنَّت في سليمان أنه يريد تغريقها في الماء، فلمَّا علمتْ أنه صَرْح ممرَّد قالت: ربِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نفسي بذلك الظَّنِّ، وأسلمتُ مع سليمان، ثم تزوجها سليمان. وقيل: إِنه ردَّها إِلى مملكتها وكان يزورها في كل شهر مرة ويقيم عندها ثلاثة أيام، وأنها ولدت منه. ويقال: إِنه زوَّجها ببعض الملوك ولم يتزوجها هو.

[سورة النمل (٢٧) : الآيات ٤٥ الى ٤٧]

وَلَقَدْ أَرْسَلْنا إِلى ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ فَإِذا هُمْ فَرِيقانِ يَخْتَصِمُونَ (٤٥) قالَ يا قَوْمِ لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ لَوْلا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (٤٦) قالُوا اطَّيَّرْنا بِكَ وَبِمَنْ مَعَكَ قالَ طائِرُكُمْ عِنْدَ اللَّهِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ (٤٧)

قوله تعالى: فَإِذا هُمْ فَرِيقانِ مؤمن وكافر يَخْتَصِمُونَ وفيه قولان: أحدهما: أنه قولهم:

أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صالِحاً مُرْسَلٌ مِنْ رَبِّهِ الآيات «٢» . والثاني: أنه قول كل فريق منهم: الحقُّ معي. قوله تعالى: لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّيِّئَةِ وذلك حين قالوا: إِن كان ما أتيتنا به حقّاً فائتنا بالعذاب. وفي السيِّئة والحسنة قولان: أحدهما: أن السيِّئة: العذابُ، والحسنة: الرحمة، قاله مجاهد. والثاني: أن السيِّئة:

البلاءُ، والحسنة، العافية، قاله السدي.

قوله تعالى: لَوْلا أي: هلاَّ تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ من الشِّرك لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ فلا تعذَّبون. قالُوا اطَّيَّرْنا قال ابن قتيبة: المعنى: تَطَيَّرنا وتشاءَمْنا بِكَ، فأُدغمت التاء في الطاء، وأثبتت الألف، ليسلم


(١) هو جزء من عجز بيت لأبي ذؤيب الهذلي وهو في «ديوان الهذليين» ١/ ١٣٦ وتمامه:
على طرق كنحور الركاب ... تحسب أعلامهن الصروحا
(٢) الأعراف: ٧٥- ٨٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>