للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كانوا يستحبون أن يفعلوا العمرة في غيرها. قال ابن سيرين: ما أحد من أهل العلم شك في أن عمرةً في غير أشهر الحج أفضل من عمرة في أشهر الحج، وإنما قال: الْحَجُّ أَشْهُرٌ

، وهي شهران وبعض الآخر على عادة العرب. قال الفراء: تقول العرب: له اليوم يومان لم أره، وإنما هو يوم، وبعض آخر.

وتقول: زرتك العام، وأتيتك اليوم، وإنما وقع الفعل في ساعة. وذكر ابن الأنباري في هذا قولين:

أحدهما: أن العرب توقع الجمع على التثنية، إذا كانت التّثنية أقلّ الجمع. كقوله تعالى: أُولئِكَ مُبَرَّؤُنَ مِمَّا يَقُولُونَ «١» ، وإنما يريد عائشة وصفوان، وكذلك قوله: وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شاهِدِينَ «٢» ، يريد: داود وسليمان. والثاني: أن العرب توقع الوقت الطويل على الوقت القصير، فيقولون: قتل ابن الزبير أيام الحج، وإنما كان القتل في أقصر وقت.

فصل: اختلف العلماء فيمن أحرم بالحج قبل أشهر الحجّ، فقال عطاء، وطاوس ومجاهد، والشافعي: لا يجزئه ذلك، وجعلوا فائدة قوله: الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ أنه لا ينعقد الحج إلا فيهن.

وقال أبو حنيفة، ومالك، والثوري، والليث بن سعد، وأحمد بن حنبل: يصح الإحرام بالحج قبل أشهر «٣» ، فعلى هذا يكون قوله: الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ، أي: معظم الحج يقع في هذه الأشهر.

(٨٤) كما قال النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «الحج عرفة» .

قوله تعالى: فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ، قال ابن مسعود: هو الإهلال بالحج والإحرام به. وقال طاوس وعطاء: هو أن يلبي. وروي عن علي وابن عمر ومجاهد والشعبي في آخرين: أنه إذا قلّد بدنته فقد أحرم، وهذا محمول على أنه قلّدها ناويا الحجّ. ونصّ الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه في رواية الأثرم: أن الإحرام بالنية. قيل له: يكون محرماً بغير تلبية؟ قال: نعم إذا عزم على الإحرام، وهذا قول مالك والشافعي، وقال أبو حنيفة: لا يجوز الدخول في الإحرام إلا بالتلبية أو تقليد الهدي وسوقه.

قوله تعالى: فَلا رَفَثَ، قرأ ابن كثير وأبو عمرو وأبو جعفر: «فلا رفثٌ ولا فسوقٌ» بالضم والتنوين.

وقرأ نافع وعاصم وابن عامر وحمزة والكسائي بغير تنوين، ولم يرفع أحد منهم لام «جدال» إلا أبو جعفر. قال أبو علي: حجة من فتح أنه أشد مطابقة للمعنى المقصود، لأنه بالفتح قد نفى جميع الرفث والفسوق، كقوله: لا رَيْبَ فِيهِ، فاذا رفع ونون، كان النفي لواحد منه، وإنما فتحوا لام (الجدال) ، ليتناول النفي جميع جنسه، فكذلك ينبغي أن يكون جمع الاسمين قبله. وحجة من رفع أنه قد علم من فحوى الكلام نفي جميع الرفث، وقد يكون اللفظ واحداً والمراد بالمعنى الجميع، قال الشاعر:


جيد. أخرجه أبو داود ١٩٤٩ والترمذي ٩٨٩ والنسائي ٥/ ٢٥٦ وابن ماجة ٣٠١٥ والدارمي ١٨٢٧ والطيالسي ١٣٠٩ وأحمد ٤/ ٣٠٩- ٣٣٥ والحاكم ١/ ٤٦٤ والبيهقي ٥/ ١١٦ وإسناده جيد وصححه الحاكم، وأقره الذهبي. وقال الترمذي قال ابن عيينة: هذا أجود حديث رواه الثوري.

<<  <  ج: ص:  >  >>