للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومعنى الاية: إِن اتَّبعناك على دينك خِفْنا العرب لمخالفتنا إِياها. والتَّخَطُّف: الانتزاع بسرعة فردَّ الله عليهم قولهم، فقال تعالى: أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَماً أي: أَوَلَمْ نُسْكِنْهم حَرَماً ونجعله مكاناً لهم، ومعنى آمِناً: ذو أمن يأمن فيه الناس، وذلك أن العرب كانت يُغِير بعضُها على بعض، وأهل مكة آمنون في الحرم من القتل والسَّبي والغارة، أي: فكيف يخافون إِذا أسلموا وهم في حرم آمن؟! يُجْبى قرأ نافع: «تُجْبي» بالتاء، أي: تُجْمَع إِليه وتُحمل من كل النواحي الثمرات، رِزْقاً مِنْ لَدُنَّا أي: مِنْ عندنا وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يعني أهل مكة لا يَعْلَمُونَ أنَّ الله تعالى هو الذي فعل بهم ذلك فيشكرونه. ومعنى الآية: إِذا كنتم آمنين في حرمي تأكلون رزقي وتعبدون غيري، فكيف تخافون إذا عبدتموني وآمنتم بي؟! ثم خوَّفهم عذاب الأمم الخالية فقال تعالى: وَكَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَها قال الزجاج: «معيشتَها» منصوبة باسقاط «في» ، والمعنى: بَطِرَتْ في معيشتها، والبطر:

الطُّغيان في النِّعمة. قال عطاء: عاشوا في البطر فأكلوا رزق الله وعبدوا الأصنام. قوله تعالى: فَتِلْكَ مَساكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلًا قال ابن عباس: لم يسكُنْها إِلاَّ المسافرون ومارُّ الطريق يوماً أو ساعة، والمعنى: لم تُسْكَن من بعدهم إلّا سكنى قليلة وَكُنَّا نَحْنُ الْوارِثِينَ أي: لم يَخْلُفهم أحد بعد هلاكهم في منازلهم، فبقيتْ خراباً غير مسكونة.

[سورة القصص (٢٨) : الآيات ٥٩ الى ٦١]

وَما كانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّها رَسُولاً يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِنا وَما كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرى إِلاَّ وَأَهْلُها ظالِمُونَ (٥٩) وَما أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَزِينَتُها وَما عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقى أَفَلا تَعْقِلُونَ (٦٠) أَفَمَنْ وَعَدْناهُ وَعْداً حَسَناً فَهُوَ لاقِيهِ كَمَنْ مَتَّعْناهُ مَتاعَ الْحَياةِ الدُّنْيا ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ (٦١)

وَما كانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرى يعني القرى الكافر أهلها حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّها أي: في أعظمها رَسُولًا، وإِنما خصَّ الأعظم ببعثة الرسول، لأن الرسول إِنَّما يُبعث إِلى الأشراف، وأشراف القوم ملوكهم، وإِنما يسكُنون المواضع التي هي أُمُّ ما حولها. وقال قتادة: أُم القرى: مكّة، والرسول:

محمّد صلى الله عليه وسلّم. قوله تعالى: يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِنا قال مقاتل: يخبرهم الرسول أنَّ العذاب نازل بهم إِن لم يؤمنوا. قوله تعالى: وَما كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرى إِلَّا وَأَهْلُها ظالِمُونَ أي: بظلمهم أُهلكهم.

وظلمهم: شركهم. وَما أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ أي: ما أعطيتم من مال وخير فَمَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا تتمتَّعون به أيام حياتكم ثم يفنى وينقضي، وَما عِنْدَ اللَّهِ من الثواب خَيْرٌ وَأَبْقى أفضل وأَدْوَم لأهله أَفَلا تَعْقِلُونَ أَنَّ الباقي أفضل مِنَ الفاني؟! قوله تعالى: أَفَمَنْ وَعَدْناهُ وَعْداً حَسَناً اختُلف فيمن نزلت على أربعة أقوال: أحدها: أنها نزلت في رسول الله صلى الله عليه وسلّم وأبي جهل. والثاني: في عليّ وحمزة رضي الله عنهما، وأبي جهل. والقولان مرويان عن مجاهد. والثالث: في المؤمن والكافر، قاله قتادة. والرابع: في عمَّار والوليد بن المغيرة، قاله السدي. وفي الوعد الحسن قولان: أحدهما: الجنة. والثاني: النصر.

قوله تعالى: فَهُوَ لاقِيهِ أي: مُصيبه ومُدْرِكه كَمَنْ مَتَّعْناهُ مَتاعَ الْحَياةِ الدُّنْيا أي: كمن هو ممتَّع بشيء يفنى ويزول عن قريب ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ فيه قولان:

<<  <  ج: ص:  >  >>