للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أي: لستُ بأَشِرٍ، فأمَّا السرورُ، فليس بمكروه. إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ وقرأ أبو رجاء، وأبو حيوة، وعاصم الجحدري، وابن أبي عبلة: «الفَارِحِين» بألف.

قوله تعالى: وَابْتَغِ فِيما آتاكَ اللَّهُ أي: اطلب فيما أعطاكَ اللهُ من الأموال «١» . وقرأ أبو المتوكل، وابن السميفع: «واتّبع» بتشديد التاء وكسر الباء وعين ساكنة غير معجمة الدَّارَ الْآخِرَةَ وهي: الجنة وذلك يكون بانفاقه في رضى الله تعالى وشُكر المُنْعِم به وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيا فيه ثلاثة أقوال: أحدها: أن يعمل في الدنيا للآخرة، قاله ابن عباس، ومجاهد، والجمهور. والثاني:

أن يُقدِّم الفضل ويُمسك ما يُغْنيه، قاله الحسن. والثالث: أن يستغنيَ بالحلال عن الحرام، قاله قتادة.

وفي معنى وَأَحْسِنْ كَما أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ ثلاثة أقوال: أحدها: أَعْطِ فضل مالك كما زادك على قدر حاجتك. والثاني: أَحْسِن فيما افترض عليك كما أحسن في إِنعامه إِليك. والثالث: أحسن في طلب الحلال كما أحسن إِليك في الإِحلال. قوله تعالى: وَلا تَبْغِ الْفَسادَ فِي الْأَرْضِ فتعمل فيها بالمعاصي.

[[سورة القصص (٢٨) : آية ٧٨]]

قالَ إِنَّما أُوتِيتُهُ عَلى عِلْمٍ عِنْدِي أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعاً وَلا يُسْئَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ (٧٨)

قوله تعالى: إِنَّما أُوتِيتُهُ يعني المال عَلى عِلْمٍ عِنْدِي فيه خمسة أقوال «٢» : أحدها: على عِلْم عندي بصنعة الذهب، رواه أبو صالح عن ابن عباس قال الزجاج: وهذا لا أصل له، لأن الكيمياء باطل لا حقيقة له. والثاني: برضى الله عني، قاله ابن زيد. والثالث: على خير علمه الله تعالى عندي، قاله مقاتل. والرابع: إِنما أُعطيتُه لفضل علمي، قاله الفراء. قال الزجاج: ادَّعى أنه أُعطيَ المال لعلمه بالتوراة. والخامس: على علم عندي بوجوه المكاسب، حكاه الماوردي. قوله تعالى: أَوَلَمْ يَعْلَمْ يعني قارون أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ بالعذاب مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ في الدُّنيا حين كذَّبوا رُسُلَهم مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعاً للأموال. وفي قوله تعالى: وَلا يُسْئَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ ثلاثة أقوال:

أحدها: لا يُسْأَلون ليُعْلَم ذلك مِنْ قِبَلهم وإِن سئلوا سؤال توبيخ، قاله الحسن. والثاني: أن الملائكة تعرفهم بسيماهم فلا تسألهم عن ذنوبهم، قاله مجاهد. والثالث: يدخلون النار بغير حساب، قاله قتادة.

وقال السدي: يعذَّبون ولا يُسْأَلون عن ذنوبهم.


(١) قال ابن كثير رحمه الله ٣/ ٤٩٣: استعمل ما وهبك الله من هذا المال الجزيل والنعمة الطائلة في طاعة ربك والتقرّب إليه بشتى أنواع القربات التي تحصّل لك الثواب في الدار الآخرة وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيا ما أباح الله لك من المآكل والمشارب والملابس والمساكن، فإن لربك عليك حقا ولنفسك عليك حقا ولأهلك عليك حقا، فآت كل ذي حق حقه. وَأَحْسِنْ كَما أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ أي: أحسن إلى خلقه كما أحسن هو إليك ولا تكن همتك بما أنت فيه أن تفسد به في الأرض، وتسيء إلى خلق الله. إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ.
(٢) قال ابن كثير رحمه الله في «تفسيره» ٣/ ٤٩٤: وقد أجاد في تفسير هذه الآية الإمام عبد الرحمن بن زيد، فإنه قال: لولا رضا الله عني ومعرفته بفضلي ما أعطاني هذا المال، وقرأ: أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعاً وَلا يُسْئَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>