للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أما ترى إلى صنع الله تعالى وإِحسانه، أنشدني بعضهم:

وَيْكَ أَنْ مَنْ يَكُنْ له نشب يحبب ... ومَنْ يفْتَقِرْ يَعِشْ عَيْشَ ضُرِّ

وقال ابن الأنباري: في قوله: وَيْكَأَنَّهُ ثلاثة أوجه «١» : الأول: إِن شئت قلت: «وَيْكَ» حرف، و «أنَّه» حرف والمعنى: ألم تر أنَّه، والدليل على هذا قول الشاعر:

سالَتَاني الطَّلاق أنْ رَأَتَاني ... قَلَّ مالي قَدْ جِئْتُمَاني بِنُكْرِ

وَيْكَ أَنْ من يكن له نشب يحبب ... ومَن يفْتَقِرْ يَعِشْ عَيْش ضُرِّ «٢»

والثاني: أن يكون «ويك» حرفا، «وأنّه» حرفاً. والمعنى: ويلك اعلمْ أنَّه، فحذفت اللام، كما قالوا: قم لا أباك، يريدون: لا أبالك، وأنشدوا:

أَبِالْمَوْتِ الذي لا بُدَّ أنِّي ... مُلاقٍ لا أَبَاكِ تُخَوِّفِيني «٣»

أراد: لا أَبَالَكِ، فحذف اللام. والثالث: أن يكون «وَيْ» حرفاً، و «كأنّه» حرفا، فيكون المعنى «وَيْ» التعجُّب، كما تقول: وَيْ لِمَ فعلت كذا وكذا، ويكون معنى «كأنَّه» : أظُنُّه وأعلمُه، كما تقول في الكلام: كأنَّك بالفَرَج قد أَقْبَل فمعناه: أظُنُّ الفَرَجُ مقْبِلاً. وإِنما وصلوا الياء بالكاف في قوله تعالى:

وَيْكَأَنَّهُ لأنّ الكلام بهما يكثر، كما جعلوا «يا ابْنَ أُمَّ» «٤» في المصحف حرفا واحدا، وهما حرفان.

وكان جماعة منهم يعقوب، يقفون على «وَيْكَ» في الحرفين، ويبتدئون «أنّ» و «أنَّه» في الموضعين.

وذكر الزجَّاج عن الخليل أنه قال: «وَيْ» مفصولة من «كأنَّ» ، وذلك أنَّ القوم تندَّموا فقالوا: «وَيْ» متندِّمين على ما سلف منهم، وكلُّ مَنْ نَدِم فأظهر ندامته قال: وَيْ. وحكى ابن قتيبة عن بعض العلماء أنَّه قال: معنى «ويكأنَّ» : رحمةً لك، بلغة حِمْيَر. قوله تعالى: لَوْلا أَنْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنا أي: بالرحمة والمعافاة والإيمان لَخَسَفَ بِنا.

[سورة القصص (٢٨) : الآيات ٨٣ الى ٨٤]

تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُها لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلا فَساداً وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (٨٣) مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْها وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزَى الَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئاتِ إِلاَّ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (٨٤)

قوله تعالى: تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ يعني الجنة نَجْعَلُها لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وفيه خمسة أقوال: أحدها: أنَّه البَغْي، قاله سعيد بن جبير. والثاني: الشَّرَفُ والعِزّ، قاله الحسن. والثالث: الظُّلْم، قاله الضحاك. والرابع: الشِّرك، قاله يحيى بن سلام. والخامس: الاستكبار عن الإيمان، قاله مقاتل.


(١) قال الطبري في «تفسيره» ١٠/ ١١٣: وأولى الأقوال في ذلك بالصحة من أن معناه: ألم تر، ألم تعلم.
وقال ابن كثير رحمه الله في «تفسيره» ٣/ ٤٩٦: وقد اختلف النحاة في معنى قوله تعالى: وَيْكَأَنَّهُ فقال بعضهم: معناها «ويلك اعلم أن» ولكن خففت فقيل: «ويك» ودل فتح «أن» على حذف اعلم وهذا القول ضعفه ابن جرير. والظاهر أنه قوي، ولا يشكل على ذلك إلا كتابتها في المصاحف متصلة «ويكأن» .
والكتابة أمر وضعي اصطلاحي، والمرجع إلى اللفظ العربي، والله أعلم.
(٢) البيتان لزيد بن عمرو بن نفيل القرشي، كما في «مجاز القرآن» ٢/ ١١٢ و «سيبويه» ١/ ٢٩٠.
(٣) البيت لأبي حية النّميري، وهو في «اللسان» - أبى-.
(٤) طه: ٩٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>