للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قوله تعالى: وَمِنْ آياتِهِ أي: من دلائل قدرته أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ يعني آدم لأنه أصل البشر ثُمَّ إِذا أَنْتُمْ بَشَرٌ من لحم ودم، يعني ذرّيته تَنْتَشِرُونَ يعني تنبسطون في الأرض.

قوله تعالى: أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً فيه قولان: أحدهما: أنه يعني بذلك آدم، خلق حوَّاء من ضِلعه، وهو معنى قول قتادة. والثاني: أن المعنى: جعل لكم آدميَّات مثلكم ولم يجعلهنَّ من غير جنسكم، قاله الكلبي. قوله تعالى: لِتَسْكُنُوا إِلَيْها أي: لتأووا إِلى الأزواج وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً وذلك أن الزوجين يتوادَّان ويتراحمان من غير رَحِم بينهما إِنَّ فِي ذلِكَ الذي ذكره من صنعه لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ في قدرة الله عزّ وجلّ وعظَمته. قوله تعالى: وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ يعني اللغات من العربية والعجمية وغير ذلك وَأَلْوانِكُمْ لأنَّ الخلق بين أسود وأبيض وأحمر، وهم ولد رجل واحد وامرأة واحدة. وقيل: المراد باختلاف الألسنة: اختلاف النَّغَمات والأصوات، حتى إِنه لا يشتبه صوت أخوين من أب وأم. والمراد باختلاف الألوان: اختلاف الصُّوَر، فلا تشتبه صورتان مع التشاكل إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْعالِمِينَ قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وابن عامر، وحمزة، والكسائي، وأبو بكر عن عاصم: «للعالَمِين» بفتح اللام. وقرأ حفص عن عاصم: «للعالِمِين» بكسر اللام.

قوله تعالى: وَمِنْ آياتِهِ مَنامُكُمْ بِاللَّيْلِ أي: نومكم. قال أبو عبيدة: المنام من مصادر النَّوم، بمنزلة قام يقوم قِياماً ومَقاماً، وقال يقول مَقالاً، قال المفسرون: وتقدير الآية: منامكم بالليل وَابْتِغاؤُكُمْ مِنْ فَضْلِهِ وهو طلب الرزق بالنهار إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ سماع اعتبار وتذكُّر وتدبُّر وَمِنْ آياتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ قال اللغويون: إِنَّما حذف «أنْ» لدلالة الكلام عليه، وأنشدوا:

وما الدَّهْرُ إِلاَّ تارتان فتارةً ... أموتُ وأُخرى أبتغي العَيْش أكدحُ «١»

ومعناه: فتارة أموت فيها، وقال طرفة:

ألا أيّهذا الزّاجري أحصر الوغى «٢»

أراد: أن أحضر. وقد شرحنا معنى الخوف والطمع في رؤية البَرْق في سورة الرعد «٣» .

قوله تعالى: أَنْ تَقُومَ السَّماءُ وَالْأَرْضُ أي: تدوما قائمتين بِأَمْرِهِ ثُمَّ إِذا دَعاكُمْ دَعْوَةً وهي نفخة إسرافيل الأخيرة في الصّور بأمر الله عزّ وجلّ مِنَ الْأَرْضِ أي: من قبوركم إِذا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ منها، وما بعد هذا قد سبق بيانه «٤» إلى قوله تعالى: وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وفيه أربعة أقوال: أحدها: أن الإِعادة أهون عليه من البداية، وكُلُّ هيِّنٌ عليه، قاله مجاهد، وأبو العالية. والثاني: أنّ «أهون» بمعنى «هين» عليه، فالمعنى: وهو هيِّن عليه، وقد يوضع «أفعل» في موضع «فاعل» ، ومثله قولهم في الأذان:

الله أكبر، أي: الله كبير، قال الفرزدق:


(١) البيت لتميم بن مقبل.
(٢) هو صدر بيت لطرفة بن العبد من معلقته وعجزه: وأن أشهد اللذات هل أنت مخلدي.
(٣) الرعد: ١٢. [.....]
(٤) البقرة: ١١٦ والعنكبوت: ١٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>