للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فصلبوه حياً، فقال: اللهم إنك تعلم أنه ليس حولي من يبلغ رسولك سلامي، فجاءه رجل منهم يقال له: أبو سروعة، ومعه رمح، فوضعه بين يدي خبيب، فقال له خبيب: اتق الله، فما زاده ذلك إلا عتواً. وأما زيد فابتاعه صفوان بن أمية ليقتله بأبيه، فجاءه سفيان بن حرب حين قدم ليقتله، فقال: يا زيد! أنشدك الله، أتحب أن محمداً مكانك، وأنك في أهلك؟ فقال: والله ما أحب أن محمداً الآن في مكانه الذي هو فيه تصيبه شوكة تؤذيه وأنا جالس في أهلي، ثم قتل. وبلغ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم الخبر، فقال: أيكم يحتمل خبيباً عن خشبته وله الجنة؟ فقال الزبير: أنا وصاحبي المقداد، فخرجا يمشيان بالليل ويمكثان بالنهار، حتى وافيا المكان، وإذا حول الخشبة أربعون مشركاً نيام نشاوى، وإذا هو رطب يتثنى لم يتغير فيه شيء بعد أربعين يوماً، فحمله الزبير على فرسه وسار، فلحقه سبعون منهم، فقذف الزبير خبيباً فابتلعته الأرض، وقال الزبير: ما جرأكم علينا يا معشر قريش؟! ثم رفع العمامة عن رأسه وقال: أنا الزبير بن العوام، وأمي صفية بنت عبد المطلب، وصاحبي المقداد، أسدان رابضان يدفعان عن شبلهما، فان شئتم ناضلتكم، وإن شئتم نازلتكم، وإن شئتم انصرفتم، فانصرفوا، وقدما على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وجبريل عنده، فقال: «يا محمد إِن الملائكة لتباهي بهذين من أصحابك» .

وقال بعض المنافقين في أصحاب خبيب: ويح هؤلاء المقتولين لا في بيوتهم قعدوا، ولا رسالة صاحبهم أدوا، فأنزل الله تعالى في الزبير والمقداد وخبيب وأصحابه والمنافقين هذه الآية، وثلاث آيات بعدها. وهذا الحديث بطوله مروي عن ابن عباس.

قوله تعالى: وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلى ما فِي قَلْبِهِ، فيه قولان: أحدهما: أنه يقول: إن الله يشهد أن ما ينطق به لساني هو الذي في قلبي. الثاني: أنه يقول: اللهم اشهد عليّ بهذا القول.

وقرأ ابن مسعود: «ويستشهد الله» بزيادة سين وتاء. وقرأ الحسن، وطلحة بن مصرف، وابن محيصن وابن أبي عبلة: «ويشهد» بفتح الياء «الله» بالرفع.

قوله تعالى: وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصامِ، الخصام: جمع خصم، يقال: خصم وخصام وخصوم. قال الزجاج: والألد: الشديد الخصومة، واشتقاقه من لديدي العنق، وهما صفحتا العنق، ومعناه: أن خصمه في أي وجه أخذ من أبواب الخصومة، غلبه في ذلك.

[[سورة البقرة (٢) : آية ٢٠٥]]

وَإِذا تَوَلَّى سَعى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيها وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسادَ (٢٠٥)

قوله تعالى: وَإِذا تَوَلَّى، فيه أربعة أقوال: أحدها: أنه بمعنى: غضب، روي عن ابن عباس، وابن جريج. والثاني: أنه الانصراف عن القول الذي قاله، قاله الحسن. والثالث: أنه من الولاية، فتقديره: إذا صار والياً، قاله مجاهد والضحاك. والرابع: أنه الانصراف بالبدن، قاله مقاتل وابن قتيبة.

وفي معنى «سعى» قولان: أحدهما: أنه بمعنى: عمل، قاله ابن عباس ومجاهد. والثاني: أنه من السعي بالقدم، قاله أبو سليمان الدمشقي. وفي الفساد قولان: أحدهما: أنه الكفر. والثاني: الظلم. والحرث:

الزرع. والنسل: نسل كل شيء من الحيوان، هذا قول ابن عباس وعكرمة في آخرين. وحكى الزجاج عن قوم: أن الحرث: النساء، والنسل: الأولاد. قال: وليس هذا بمنكر، لأن المرأة تسمى حرثاً. وفي معنى إهلاكه للحرث والنسل ثلاثة أقوال: أحدها: أنه إهلاك ذلك بالقتل والإحراق والإفساد، قاله

<<  <  ج: ص:  >  >>