للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فنظر إِليها وكانت بيضاء جميلة من أتمِّ نساء قريش، فوقعت في قلبه، فقال: «سبحان الله مقلِّب القلوب» ، وفطن زيد، فقال: يا رسول الله ائذن لي في طلاقها. وقال بعضهم: أتى رسول الله صلى الله عليه وسلّم منزل زيد، فرأى زينب، فقال: «سبحان مقلِّب القلوب» ، فسمعت ذلك زينب، فلمَّا جاء زيد ذكرت له ذلك، فعلم أنها قد وقعت في نفسه، فأتاه فقال: يا رسول الله ائذن لي في طلاقها. وقال ابن زيد: جاء


طريق محمد بن عمر الواقدي عن عبد الله بن عامر الأسلمي عن محمد بن يحيى بن حبان مرسلا. وإسناده ساقط له علل ثلاث: الأولى: الإرسال. الثانية: عبد الله بن عامر ضعيف الحديث. الثالثة: الواقدي متروك الحديث. والمتن باطل بهذا اللفظ، لا يليق بمقام النبي صلى الله عليه وسلّم مثل هذا.
- وورد نحوه عن عبد الرحمن بن زيد. أخرجه الطبري ٢٨٥١٩ وهذا معضل، وابن زيد متروك إذا وصل الحديث فكيف إذا أرسله.
- وورد نحوه عن مقاتل كما ذكر المصنف والحافظ ابن حجر في تخريج الكشاف عن الثعلبي بدون إسناد.
ومقاتل لا يحتج بما يتفرد به، فهو متهم بالوضع. وقد قال الحافظ في «الفتح» : وردت آثار أخرجها ابن أبي حاتم والطبري، ونقلها كثير من المفسّرين، لا ينبغي التشاغل بها.
- قال ابن العربي رحمه الله في «أحكام القرآن» ٣/ ٥٧٦: عهدنا إليكم عهدا لن تجدوا له ردّا أن أحدا لا ينبغي أن يذكر نبيا إلا بما ذكره الله، لا يزيد عليه، فإن أخبارهم مروية، وأحاديثهم منقولة بزيادات تولاها أحد رجلين: إما غبي عن مقدارهم، وإما بدعي لا رأي له في برّهم ووقارهم فيدس تحت المقال المطلق الدواهي ولا يراعي الأدلة ولا النواهي ومحمد صلى الله عليه وسلّم ما عصى ربه قط فلم يقع قط في صغيرة- حاشا لله- ولا ذنب كبير. وهذه الروايات كلها ساقطة الأسانيد. فأما قولهم: إن النبي صلى الله عليه وسلّم رآها فوقعت في قلبه فباطل، فإنه كان معها في كل وقت وموضع، ولم يكن حينئذ حجاب، فكيف تنشأ معه وينشأ معها ويلحظها في كل ساعة، ولا تقع في قلبه إلا إذا كان لها زوج، حاشا لذلك القلب المطهّر من هذه العلاقة الفاسدة وإنما كان الحديث ...
قلت: وهو الصواب في ذلك أن زينب كانت تفخر وتترفع على زيد بسبب أنها قرشية حسيبة نسيبة وهو مولى الأصل ... فكان يشكوها لرسول الله صلى الله عليه وسلّم، والنبي صلى الله عليه وسلّم يقول له: «أمسك عليك زوجك» كما أخبر به القرآن-.
وقد أخرج مسلم ١٤٢٨ وابن سعد ٨/ ٨٢ والنسائي في «التفسير» ٤٣٠، عن أنس قال: لما انقضت عدة زينب قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم لزيد: «اذكرها عليّ» قال: فانطلق زيد حتى أتاها وهي تخمّر عجينها. قال: فلما رأيتها عظمت في صدري حتى ما أستطيع أن أنظر إليها أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم ذكرها. فوليتها صدري ونكصت على عقبي. فقلت: يا زينب! أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلّم يذكرك. قالت: ما أنا بصانعة شيئا حتى أوامر ربي فقامت إلى مسجدها ونزل القرآن ... الحديث واللفظ لمسلم. فهذا هو الصحيح فعليك به.
وقال ابن العربي رحمه الله ٣/ ٥٧٨: وإنما كان الحديث أنها لما استقرت عند زيد جاءه جبريل: إن زينب زوجك، ولم يكن بأسرع أن جاءه زيد يتبرأ منها، فقال له: اتق الله، وأمسك عليك زوجك فأبى زيد إلا الفراق وطلّقها وانقضت عدتها، وخطبها رسول الله صلى الله عليه وسلّم على يدي مولاه زوجها. وأنزل الله القرآن المذكور فيه خبرهما، هذه الآيات. فقال: اذكر يا محمد إذ تقول للذي أنعم الله عليه وأنعمت عليه: أمسك عليك زوجك، واتق الله في فراقها، وتخفي في نفسك ما الله مبديه، يعني من نكاحك لها. وهو الذي أبداه لا سواه. وقد علم النبي صلى الله عليه وسلّم أن الله تعالى إذا أوحى إليه أنها زوجته لا بد من وجود هذا الخبر وظهوره، هذا يدلك على براءته من كل ما ذكره متسور من المفسّرين، مقصور على علوم الدين. فإن قيل: فكيف يأمره بالتمسك بها، وقد علم أن الفراق لا بد منه؟ قلنا: هو صحيح للمقاصد الحسنة لإقامة الحجة، ومعرفة العاقبة، إنه أراد أن يختبر منه ما لم يعلمه الله به من رغبته منها فأبدى له زيد من النفرة عنها والكراهية فيها ما لم يكن علمه منه في أمرها. ألا ترى أن الله يأمر العبد بالإيمان، وقد علم أنه لا يؤمن فليس في مخالفة متعلّق الأمر لمتعلّق العلم ما يمنع من الأمر به عقلا وحكما، وهذا من نفيس العلم فتيقنوه وتقبلوه.
قلت: هذا هو الصواب إن شاء الله، وكلام ابن العربي نفيس جدا، فتدبره والله الموفق.

<<  <  ج: ص:  >  >>