للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قوله تعالى: قُلْ إِنَّما أَعِظُكُمْ أي: آمُرُكم وأُوصيكم بِواحِدَةٍ وفيها ثلاثة أقوال: أحدها:

أنها «لا إِله إِلا الله» ، رواه ليث عن مجاهد. والثاني: طاعة الله، رواه ابن أبي نجيح عن مجاهد. والثالث:

أنها قوله تعالى: أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنى وَفُرادى، قاله قتادة. والمعنى: أن التي أَعِظُكم بها، قيامُكم وتشميركم لطلب الحق، وليس بالقيام على الأقدام. والمراد بقوله تعالى: «مثنى» يجتمع اثنان فيتناظران في أمر رسول الله صلى الله عليه وسلّم. والمراد ب «فُرادى» أن يتفكَّر الرجل وحده، ومعنى الكلام: لِيتفكرِ الإِنسانُ منكم وحده، ولْيَخْلُ بغيره، ولْيُناظِر، ولْيَسْتَشِر، فَيَسْتَدِلَّ بالمصنوعات على صانعها، ويُصدِّق الرسول على اتبّاعه، ولْيَقُل الرجلُ لصاحبه: هَلُمَّ فلْنَتَصادق هل رأينا بهذا الرجل جِنَّة قَطّ، أو جرَّبْنا عليه كَذِباً قَطّ. وتم الكلام عند قوله: ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا ما بِصاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ، وفيه اختصار تقديره: ثم تتفكَّروا لتعلموا صِحَّة ما أمرتُكم به وأنَّ الرسول ليس بمجنون، إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذابٍ شَدِيدٍ في الآخرة.

قوله تعالى: قُلْ ما سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ على تبليغ الرسالة فَهُوَ لَكُمْ والمعنى: ما أسألكم شيئاً ومثله قول القائل: ما لي في هذا فقد وهبتُه لك، يريد: ليس لي فيه شيء.

قوله تعالى: قُلْ إِنَّ رَبِّي يَقْذِفُ بِالْحَقِّ أي: يُلقي الوحي إِلى أنبيائه عَلَّامُ الْغُيُوبِ وقرأ أبو رجاء:

«عَلاَّمَ» بنصب الميم. قُلْ جاءَ الْحَقُّ وهو الإِسلام والقرآن. وفي المراد بالباطل ثلاثة أقوال: أحدها:

أنه الشيطان، لا يخلُق أحداً ولا يبعثُه، قاله قتادة. والثاني: أنه الأصنام، لا تُبدئ خَلْقاً ولا تُحيي، قاله الضحاك. وقال أبو سليمان: لا يبتدئ الصنم من عنده كلاماً فيُجاب ولا يرُدُّ ما جاء من الحق بحُجَّة.

والثالث: أنه الباطل الذي يُضادُّ الحق فالمعنى: ذهب الباطل بمجيء الحقِّ، فلم تَبْقَ منه بقيَّة يُقبِل بها أو يدبر أو يبدئ أو يعيد، ذكره جماعة من المفسرين.

قوله تعالى قُلْ إِنْ ضَلَلْتُ فَإِنَّما أَضِلُّ عَلى نَفْسِي أي: إِثم ضلالتي على نفسي وذلك أنَّ كُفَّار مكَّة زعموا أنه قد ضَلَّ حين ترك دين آبائه وَإِنِ اهْتَدَيْتُ فَبِما يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي من الحكمة والبيان.

[سورة سبإ (٣٤) : الآيات ٥١ الى ٥٤]

وَلَوْ تَرى إِذْ فَزِعُوا فَلا فَوْتَ وَأُخِذُوا مِنْ مَكانٍ قَرِيبٍ (٥١) وَقالُوا آمَنَّا بِهِ وَأَنَّى لَهُمُ التَّناوُشُ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ (٥٢) وَقَدْ كَفَرُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ وَيَقْذِفُونَ بِالْغَيْبِ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ (٥٣) وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ ما يَشْتَهُونَ كَما فُعِلَ بِأَشْياعِهِمْ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كانُوا فِي شَكٍّ مُرِيبٍ (٥٤)

قوله تعالى: وَلَوْ تَرى إِذْ فَزِعُوا في زمان هذا الفزع قولان: أحدهما: أنه حين البعث من القبور، قاله الأكثرون. والثاني: أنه عند ظهور العذاب في الدنيا، رواه العوفي عن ابن عباس، وبه قال قتادة. وقال سعيد بن جبير: هو الجيش الذي يُخسف به بالبيداء، يبقى منهم رجل فيخبر الناس بما لقُوا، وهذا حديث مشروح في التفسير، وأن هذا الجيش يؤمُّ البيت الحرام لتخريبه، فيخسف بهم «١» .

وقال الضّحّاك وزيد بن أسلم: هذه الآية فيمن قُتل يوم بدر من المشركين. قوله تعالى: فَلا فَوْتَ المعنى: فلا فَوْتَ لهم، أي: لا يُمكنهم أن يفوتونا وَأُخِذُوا مِنْ مَكانٍ قَرِيبٍ فيه ثلاثة أقوال: أحدها:


(١) هذا من بدع التأويل، ولا يصح، والصواب أن ذلك يوم يحشرون إلى جهنم.

<<  <  ج: ص:  >  >>