للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تعالى: وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلا فِيها نَذِيرٌ أي: ما من أُمَّة إِلا قد جاءها رسول. وما بعد هذا قد سبق بيانه «١» إلى قوله تعالى: فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ أثبت فيها الياء في الحالين يعقوب، وافقه في الوصل ورش.

[سورة فاطر (٣٥) : الآيات ٢٧ الى ٢٨]

أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجْنا بِهِ ثَمَراتٍ مُخْتَلِفاً أَلْوانُها وَمِنَ الْجِبالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُها وَغَرابِيبُ سُودٌ (٢٧) وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ كَذلِكَ إِنَّما يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ (٢٨)

قوله تعالى: وَمِنَ الْجِبالِ جُدَدٌ بِيضٌ أي: ومِمَّا خَلَقْنا من الجبال جُدَدٌ. قال ابن قتيبة: الجُدَدُ:

الخُطوط والطَّرائق تكون في الجبال، فبعضُها بِيض، وبعضُها حُمر، وبعضُها غرابيبُ سودٌ، والغَرابيب جمع غِرْبِيبٍ، وهو الشديد السواد، يقال: أسْودُ غِرْبِيبٌ، وتمام الكلام عند قوله: «كذلك» ، يقول: من الجبال مختلِفٌ ألوانه، وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ كَذلِكَ أي: كاختلاف الثمرات. قال الفراء: وفي الكلام تقديم وتأخير، تقديره: وسودٌ غرابيب، لأنه يقال: أسودُ غِرْبيبٌ، وقلّما يقال: غربيب أسود. وقال الزجاج: المعنى: ومن الجبال غرابيبُ سود، وهي ذوات الصخر الأَسْود. وقال ابن دريد: الغِرْبيب: الأَسْود، أحسِبُ أن اشتقاقه من الغُراب. وللمفسرين في المراد بالغرابيب ثلاثة أقوال: أحدها: الطرائق السُّود، قاله ابن عباس. والثاني: الأودية السود، قاله قتادة.

والثالث: الجبال السود، قاله السدي.

ثم ابتدأ فقال: إِنَّما يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ يعني العلماء بالله عزَّ وجل. قال ابن عباس:

يريد: إِنَّما يخافُني مِنْ خَلْقي مَنْ عَلِم جبروتي وعِزَّتي وسلطاني. وقال مجاهد والشعبي: العالِم من خاف اللهَ. وقال الربيع بن أنس: من لم يَخْش اللهَ فليس بعالِم.

[سورة فاطر (٣٥) : الآيات ٢٩ الى ٣١]

إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتابَ اللَّهِ وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْناهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً يَرْجُونَ تِجارَةً لَنْ تَبُورَ (٢٩) لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ (٣٠) وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ مِنَ الْكِتابِ هُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ إِنَّ اللَّهَ بِعِبادِهِ لَخَبِيرٌ بَصِيرٌ (٣١)

قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتابَ اللَّهِ يعني قُرَّاء القرآن، فأثنى عليهم بقراءة القرآن وكان مطرّف يقول: هذه آية القُرَّاء. وفي قوله تعالى يَتْلُونَ قولان: أحدهما: يقرءون. والثاني: يَتبَّعون.

قال أبو عبيدة: وَأَقامُوا الصَّلاةَ بمعنى ويُقيمون وهو إِدامتها لمواقيتها وحدودها. قوله تعالى:

يَرْجُونَ تِجارَةً قال الفراء: هذا جواب قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ. قال المفسرون:

والمعنى: يرجون بفعلهم هذا تجارة لن تفسُد ولن تَهْلِك ولن تَكْسُد لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ أي: جزاء أعمالهم وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ قال ابن عباس: سوى الثّواب ما لم تر عين ولم تسمع أُذن. فأما الشَّكور، فقال الخطّابي: هو الذي يشكُر اليسيرَ من الطاعة، فيُثيب عليه الكثير من الثواب، ويُعطي الجزيل من النِّعمة، ويرضي باليسير من الشُّكر ومعنى الشُّكر المضاف إِليه: الرِّضى بيسير الطَّاعة من العبد، والقبول له، وإِعظام الثواب عليه وقد يحتمل أن يكون معنى الثناء على الله بالشّكور ترغيب


(١) آل عمران: ١٨٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>