للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِعَمَلِكَ القرآن، أي: عارِضْه. وقيل: اعْرَضْه على عملك، فانظُر أين هو منه. والسابع: أنه بمعنى:

صادَ محمدٌ قلوبَ الخَلْق واستمالها حتى آمَنوا به وأَحَبُّوه، حكاه الثعلبي، وهذا على قراءة من فتح، وهي قراءة أبي رجاء، وأبي الجوزاء، وحميد، ومحبوب عن أبي عمرو. قال الزجاج: والقراءة «صادْ» بتسكين الدال، لأنها من حروف التَّهجِّي. وقد قُرئتْ بالفتح وبالكسر، فمن فتحها، فعلى ضربين:

أحدهما: لالتقاء الساكنين. والثاني: على معنى: أتل «صاد» ، وتكون صاد اسما للسّورة لا ينصرف ومن كسر، فعلى ضربين: أحدهما: لالتقاء الساكنين أيضاً. والثاني: على معنى: صادِ القرآن بعملك، من قولك: صَادَى يُصَادِي: إِذا قابَل وعادَل، يقال: صادَيْتُه: إِذا قابَلْته.

قوله تعالى: ذِي الذِّكْرِ في المراد بالذِّكْر ثلاثة أقوال «١» : أحدها: أنه الشَّرَف، قاله ابن عباس وسعيد بن جبير والسدي. والثاني: البيان، قاله قتادة. والثالث: التذكير، قاله الضحاك.

فإن قيل: أين جواب القسم بقوله تعالى: ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ؟ فعنه خمسة أجوبة: أحدها:

أن «ص» جواب لقوله: «والقرآن» ، ف «ص» في معناها، كقولك: وَجَبَ واللهِ، نَزَلَ واللهِ، حَقٌّ واللهِ، قاله الفراء، وثعلب. والثاني: أنّ جواب «ص» قوله تعالى كَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ ومعناه: لَكَمْ، فلمّا طال الكلام، حُذفت اللامُ، ومثله: وَالشَّمْسِ وَضُحاها ... قَدْ أَفْلَحَ «٢» ، فإن المعنى: لقد أَفْلَحَ، غير أنه لمّا اعترض بينهما كلام، تبعه قوله تعالى: قَدْ أَفْلَحَ، حكاه الفراء وثعلب أيضاً. والثالث: أنه قوله تعالى: إِنْ كُلٌّ إِلَّا كَذَّبَ الرُّسُلَ «٣» ، حكاه الأخفش. والرابع: أنه قوله تعالى: إِنَّ ذلِكَ لَحَقٌّ تَخاصُمُ أَهْلِ النَّارِ «٤» قاله الكسائي، وقال الفراء: لا نجده مستقيماً في العربية، لتأخّره جدّا عن قوله تعالى: وَالْقُرْآنِ. والخامس: أن جوابه محذوف تقديره: والقرآنِ ذي الذِّكْر ما الأَمْرُ كما يقول الكُفَّار، ويدلّ على هذا المحذوف قوله تعالى: بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقاقٍ، ذكره جماعة من المفسرين، وإِلى نحوه ذهب قتادة. والعِزَّةُ: الحَمِيَّةُ والتكبُّر عن الحَقّ. وقرأ عمرو بن العاص وأبو رزين وابن يعمر وعاصم الجحدري ومحبوب عن أبي عمرو: «في غِرَّةٍ» بغين معجمة وراء غير معجمة.

والشِّقاق: الخِلاف والعداوة لرسول الله صلى الله عليه وسلّم، وقد سبق بيان الكلمتين مشروحا «٥» .

ثم خوَّفهم بقوله تعالى: كَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ يعنى الأُمم الخالية فَنادَوْا عند وقوع الهلاك بهم. وفي هذا النداء قولان: أحدهما: أنه الدُّعاء. والثاني: الاستغاثة.

قوله تعالى «٦» : وَلاتَ حِينَ مَناصٍ وقرأ الضحاك، وأبو المتوكّل، وعاصم الجحدري، وابن


(١) قال الطبري رحمه الله في «تفسيره» ١٠/ ٥٤٦: الصواب قول من قال: معناه: ذي التذكير لكم، لأن الله أتبع ذلك قولُه: بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقاقٍ فكان معلوما بذلك أنه إنما أخبر عن القرآن أنه أنزله ذكرا لعباده ذكرهم به، وأن الكفار من الإيمان به في عزة وشقاق. [.....]
(٢) الشمس: ١، ٩.
(٣) ص: ١٤.
(٤) ص: ٦٤.
(٥) البقرة: ٢٠٦- ١٣٨.
(٦) قال ابن كثير رحمه الله في «تفسيره» ٤/ ٣٣: في قوله تعالى: وَلاتَ حِينَ مَناصٍ وهذه الكلمة وهي «لات» هي «لا» التي للنفي، زيدت معها التاء، كما تزاد في ثمّ فيقولون: «ثمت» ، و «رب» فيقولون: «ربت» وهي مفصولة، والوقف عليها، ومنهم من حكى عن المصحف الإمام فيما ذكره ابن جرير أنها متصلة بحين: «ولا تحين مناص» والمشهور الأول. ثم قرأ الجمهور بنصب «حين» تقديره: وليس الحين حين مناص. ومنهم من جوز النصب بها، وأهل اللغة يقولون: النّوص: التأخر، والبوص: التقدم. ولهذا قال تعالى: وَلاتَ حِينَ مَناصٍ، أي: ليس الحين حين فرار ولا ذهاب اه.

<<  <  ج: ص:  >  >>