للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النبي فحدثوه الحديث فنزلت هذه الآية، فقال بعض المسلمين: لئن كان أصابهم خير فما لهم أجر، فنزلت: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هاجَرُوا إلى قوله: رَحِيمٌ.

قال الزهري: اسم ابن الحضرمي: عمرو، واسم الذي قتله عبد الله بن واقد الليثي. قال ابن عباس: كان أصحاب النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، يظنون تلك الليلة من جمادى، وكانت أول رجب.

وقد روى عطيّة عن ابن عباس أنها نزلت في شيئين: أحدهما: هذا. والثاني: دخول النبيّ صلّى الله عليه وسلّم مكة في شهر حرام يوم الفتح، حين عاب المشركون عليه القتال في شهر حرام «١» .

وفي السائلين النبيّ صلّى الله عليه وسلّم عن ذلك قولان: أحدهما: أنهم المسلمون، سألوه: هل أخطئوا أم أصابوا؟ قاله ابن عباس وعكرمة ومقاتل. والثاني: أنهم المشركون سألوه على وجه العيب على المسلمين، قاله الحسن، وعروة، ومجاهد. والشهر الحرام: شهر رجب، وكان يدعى الأصم، لأنه لم يكن يسمع فيه للسلاح قعقعة تعظيماً له، قِتالٍ فِيهِ أي: يسألونك عن قتال فيه. قُلْ قِتالٌ فِيهِ كَبِيرٌ قال ابن مسعود وابن عباس: لا يحِل. قال القاضي أبو يعلى: كان أهل الجاهلية يعتقدون تحريم القتال في هذه الأشهر، فأعلمهم الله تعالى في هذه الآية ببقاء التحريم.

فصل: اختلف العلماء في تحريم القتال في الأشهر الحرم: هل هو باق أم نسخ؟ على قولين «٢» : أحدهما: أنه باقٍ. روى ابن جريج أن عطاء كان يحلف بالله: ما يحل للناس الآن أن يغزوا في الحرم، ولا في الأشهر الحرم، إلا أن يقاتلوا فيه أو يغزوا، وما نسخت. والثاني: أنه منسوخ، قال سعيد بن المسيب، وسليمان بن يسار: القتال جائز في الشهر الحرام، هذه الآية منسوخة بقوله تعالى:

فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ «٣» ، وبقوله تعالى: قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ «٤» ، وهذا قول فقهاء الأمصار.


(١) أخرجه الطبري ٤٠٩٠ عن ابن عباس بسند فيه مجاهيل، وكرره ٤٠٨٨ عن مجاهد مرسلا.
(٢) قال القرطبي رحمه الله ٣/ ٤٣: واختلف العلماء في نسخ هذه الآية، فالجمهور على نسخها، وأن قتال المشركين في الأشهر الحرم مباح واختلفوا في ناسخها، فقال الزهري: نسخها وَقاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً.
وقيل نسخها غزو النبي صلّى الله عليه وسلّم ثقيفا في الشهر الحرام، وإغزاؤه أبا عامر إلى أوطاس في الشهر الحرام.
وقيل نسخها بيعة الرضوان على القتال في ذي القعدة، وهذا ضعيف فإن النبي صلّى الله عليه وسلّم لما بلغه قتل عثمان بمكة وأنهم عازمون على حربه بايع حينئذ المسلمين على دفعهم لا على الابتداء بقتالهم.
وذكر البيهقي عن عروة بن الزبير من غير حديث محمد بن إسحاق في أثر قصة الحضرمي: فأنزل الله عزّ وجلّ: يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ قِتالٍ فِيهِ الآية، قال: فحدّثهم الله في كتابه أن القتال في الشهر الحرام حرام كما كان، وأن الذي يستحلون من المؤمنين هو أكبر من ذلك من صدهم عن سبيل الله حين يسجنونهم ويعذبونهم ويحبسونهم أن يهاجروا إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وكفرهم بالله وصدّهم المسلمين عن المسجد الحرام في الحج والعمرة والصّلاة فيه، وإخراجهم أهل المسجد الحرام وهم سكانه من المسلمين وفتنتهم إياهم عن الدين، فبلغنا أن النبي صلّى الله عليه وسلّم عقل ابن الحضرمي وحرّم الشهر الحرام كما كان يحرّمه حتى أنزل الله عزّ وجلّ بَراءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ. وكان عطاء يقول: الآية محكمة، ولا يجوز القتال في الأشهر الحرم ويحلف على ذلك، لأن الآيات التي وردت بعدها عامة في الأزمنة، وهذا خاص والعام لا ينسخ الخاص باتفاق.
وروى أبو الزبير عن جابر قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لا يقاتل في الشهر الحرام إلّا أن يغزى.
(٣) التوبة: ٥.
(٤) التوبة: ١٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>