للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في هؤلاء اليهودُ حين قالوا: عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ والنصارى لقولهم: الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ «١» ، وجميعُ عُبَّاد الأصنام، ويدُلُّ عليه قولُه بعد ذلك: لَوْ أَرادَ اللَّهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً. قوله تعالى: ما نَعْبُدُهُمْ أي:

يقولون: ما نعبُدُهم إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللَّهِ زُلْفى أي: إِلاّ لِيَشْفَعوا لنا إِلى الله. والزُّلْفى: القُرْبى، وهو اسم أُقيم مقامَ المصدر، فكأنه قال: إلاّ لِيُقَرِّبونا إِلى الله تقريباً. إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ أي: بين أهل الأديان فيما كانوا يختلفون فيه من أمر الدّين. وذهب قوم إلى أن هذه الآية منسوخة بآية السيف، ولا وجه لذلك.

قوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي أي: لا يُرْشِد مَنْ هُوَ كاذِبٌ في قوله: إِن الآلهه تشفع كَفَّارٌ أي: كافر باتِّخاذها آلهة، وهذا إِخبار عمن سبق عليه القضاء بحرمان الهداية.

لَوْ أَرادَ اللَّهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً أي: على ما يزعم من ينسُب ذلك إِلى الله لَاصْطَفى أي: لاختار ممّا يخلُق. قال مقاتل: أي: من الملائكة.

[[سورة الزمر (٣٩) : آية ٥]]

خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهارِ وَيُكَوِّرُ النَّهارَ عَلَى اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى أَلا هُوَ الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ (٥)

قوله تعالى: خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ أي: لم يخلقهما لغير شيء. قوله تعالى: يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهارِ قال أبو عبيدة: يُدْخِلُ هذا على هذا. قال ابن قتيبة: وأصلُ التَّكْوِير: اللَّفُّ، ومنه كَوْرُ العِمامة. وقال غيره. التَّكْويرُ: طَرْحُ الشيء بعضه على بعض. قوله تعالى: وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ أي: ذلَّلهما للسَّير على ما أراد كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى أي: إِلى الأجَلَ الذي وقَّت اللهُ للدُّنيا. وقد شرحنا معنى العزيز في البقرة «٢» ومعنى الغفَّار في طه «٣» .

[[سورة الزمر (٣٩) : آية ٦]]

خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْها زَوْجَها وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعامِ ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ خَلْقاً مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُماتٍ ثَلاثٍ ذلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ (٦)

قوله تعالى: خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ يعني آدم ثُمَّ جَعَلَ مِنْها زَوْجَها أي: قَبْلَ خَلْقِكم جعل منها زوجها، لأنّ حَوّاءَ خُلِقَتْ قَبْلَ الذُّرِيَّة، ومِثْلُه في الكلام أن تقول: قد أعطيتُكَ اليوم شيئاً، ثُمَّ الذي أعطيتُكَ أمس أكثر هذا اختيار الفراء. وقال غيره: ثم أَخبركم أنه خَلَق منها زَوْجَها وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعامِ أي: خَلَق ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ، وقد بيّنّاها في سورة الأنعام «٤» .

قوله تعالى: خَلْقاً مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ أي: نُطَفاً ثُمَّ عَلَقاً ثم مُضَغاً ثم عَظْماً ثم لَحْماً ثم أنبت الشَّعر، إِلى غير ذلك من تقلُّب الأحوال إِلى إِخراج الأطفال، هذا قول الجمهور. وقال ابن زيد: خَلْقاً في البُطون مِنْ بَعْدِ خَلْقِكم في ظَهْر آدم. قوله تعالى: فِي ظُلُماتٍ ثَلاثٍ ظُلْمة البَطْن، وظُلْمة الرّحم،


(١) التوبة: ٣٠.
(٢) البقرة: ١٢٩.
(٣) طه: ٨٢.
(٤) الأنعام: ١٤٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>