للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الله صلّى الله عليه وسلّم فقالوا: إِنّ الذي تدعو إِليه لَحَسَنٌ، لو تُخبرنا أنّ لِمَا عَمِلنا كفّارةً، فنزلت هذه الآية، رواه سعيد بن جبير عن ابن عباس.

(١٢٣٣) والثاني: أنها نزلت في عَيّاش بن أبي ربيعة والوليد بن الوليد ونَفَرٍ من المسلمين كانوا قد أسلموا، ثم عُذِّبوا فافتُتِنوا، فكان أصحاب رسول الله يقولون: لا يَقْبَلُ اللهُ مِنْ هؤلاء صَرْفاً ولا عَدْلاً، قومُ تركوا دينهم بعذاب عُذِّبوه فنزلت هذه الآية، فكتبها عمر إلى عَيّاش والوليد وأولئك النَّفَر، فأسلموا وهاجروا وهذا قول ابن عمر.

والثالث: أنها نزلتْ في وحشي وهذا القول ذكرناه مشروحاٍ في آخر الفرقان «١» عن ابن عباس.

(١٢٣٤) والرابع: أنَّ أهل مكَّةَ قالوا: يزعُم محمدٌ أنَّ مَنْ عَبَدَ الأوثانَ وقَتَلَ النَّفْسَ التي حرَّم اللهُ لم يُغْفَر له، فكيف نُهاجِر ونُسْلِم وقد فَعَلْنا ذلك؟! فنزلت هذه الآية وهذا مرويُّ عن ابن عباس أيضاً.

ومعنى أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ ارتكَبوا الكبائر. والقنوط بمعنى اليأس. وَأَنِيبُوا بمعنى ارجِعوا إِلى الله من الشِّرك والذًّنوب، وَأَسْلِمُوا لَهُ أي: أخِلصوا له التوحيد. و «تُنْصَرون» بمعنى تُمْنَعون.

وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ قد بيَّنّاه في قوله عزّ وجلّ: يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِها «٢» .

[سورة الزمر (٣٩) : الآيات ٥٦ الى ٥٩]

أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يا حَسْرَتى عَلى ما فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ (٥٦) أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (٥٧) أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (٥٨) بَلى قَدْ جاءَتْكَ آياتِي فَكَذَّبْتَ بِها وَاسْتَكْبَرْتَ وَكُنْتَ مِنَ الْكافِرِينَ (٥٩)

قوله تعالى: أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ قال المبرِّد: المعنى: بادِروا قَبْلَ أن تقول نَفْسٌ، وحَذَراً من أن تقول نَفْسٌ. وقال الزجاج: خوف أن تصيروا إلى حال تقولون فيها هذا القول. ومعنى يا حَسْرَتى يا


٤٢٧٤ والنسائي في «التفسير» ٤٦٩ والحاكم في «المستدرك» ٢/ ٤٠٣ والبيهقي ٩/ ٩٨ والواحدي في «أسباب النزول» ٦٥٨ كلهم من طريق يعلى بن مسلم به. وأخرجه الطبري ٢٦٥١٢ من طريق منصور بن المعتمر عن سعيد بن جبير به.
حسن. أخرجه الحاكم ٢/ ٤٣٥ والطبري ٢٠١٨٢ و ٢٠١٨٣ والواحدي ٧٣٠ من حديث ابن عمر عن عمر به، صححه الحاكم على شرط مسلم، ووافقه الذهبي، وهو حسن لأجل ابن إسحاق، وقد صرح بالتحديث فانتفت شبهة التدليس. وانظر «الجامع لأحكام القرآن» ٥٣١٤ بتخريجنا.
أخرجه الواحدي ٧٢٧ معلقا، ووصله ابن أبي حاتم كما في أسباب النزول للسيوطي ٩٥٥ عن ابن عباس، وصححه السيوطي. والحديث ١٢٣٢ أصح منه. وانظر «تفسير القرطبي» ٥٣١٦ بتخريجنا.
قال الطبري رحمه الله في «تفسيره» ١١/ ١٧: وأولى الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال: عنى الله تعالى ذكره بذلك جميع من أسرف على نفسه من أهل الإيمان والشرك، لأن الله عمّ بقوله: يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ جميع المسرفين، فلم يخصص به مسرفا دون مسرف.
وقال ابن كثير في «تفسيره» ٤/ ٧٠: هذه الآية الكريمة دعوة لجميع العصاة من الكفرة وغيرهم إلى التوبة والإنابة، وإخبار بأن الله يغفر الذنوب جميعا لمن تاب منها ورجع عنها، وإن كانت مهما كانت، وإن كثرت مثل زبد البحر. ولا يصح حمل هذه على غير توبة، لأن الشرك لا يغفر ما لم يتب منه.

<<  <  ج: ص:  >  >>