للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم عاد الكلامُ إلى نصيحة المؤمن لقومه، وهو قوله: اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشادِ أي:

طريق الهدى، يا قَوْمِ إِنَّما هذِهِ الْحَياةُ الدُّنْيا مَتاعٌ يعني: الحياة في هذه الدار متاع يُتمتَّع بها أياماً ثم تنقطع وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دارُ الْقَرارِ التي لا زوال لها. مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فيها قولان: أحدهما: أنها الشِّرك، ومثلها جهنم، قاله الأكثرون. والثاني: المعاصي، ومثلُها: العقوبةُ بمقدارها، قاله أبو سليمان الدمشقي. فعلى الأول، العمل الصالح: التوحيد، وعلى الثاني، هو علىٍ الإطلاق. قوله تعالى:

فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ قرأ ابن كثير، وأبو عمرو: «يُدخَلونَ» بضم الياء. وقرأ نافع، وابن عامر، وحمزة، والكسائي: بالفتح، وعن عاصم كالقراءتين. وفي قوله: بِغَيْرِ حِسابٍ قولان: أحدهما:

أنهم لا تَبِعَةَ عليهم فيما يُعْطَون في الجنة، قاله مقاتل. والثاني: أنه يُصَبُّ عليهم الرِّزق صَبّاً بغير تقتير، قاله أبو سليمان الدّمشقي.

[سورة غافر (٤٠) : الآيات ٤١ الى ٤٦]

وَيا قَوْمِ ما لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ (٤١) تَدْعُونَنِي لِأَكْفُرَ بِاللَّهِ وَأُشْرِكَ بِهِ ما لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ الْغَفَّارِ (٤٢) لا جَرَمَ أَنَّما تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِي الدُّنْيا وَلا فِي الْآخِرَةِ وَأَنَّ مَرَدَّنا إِلَى اللَّهِ وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحابُ النَّارِ (٤٣) فَسَتَذْكُرُونَ ما أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ (٤٤) فَوَقاهُ اللَّهُ سَيِّئاتِ ما مَكَرُوا وَحاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذابِ (٤٥)

النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْها غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذابِ (٤٦)

قوله تعالى: وَيا قَوْمِ ما لِي أَدْعُوكُمْ أي ما لكم، كما تقول: ما لي أراك حزيناً، معناه: ما لك، ومعنى الآية: أخبِروني كيف هذه الحال، أدعوكم إِلَى النَّجاةِ من النار بالإِيمان وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ أي إلى الشِّرك الذي يوجب النّار؟! ثم فسَّر الدَّعوتَين بما بعد هذا.

ومعنى لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ أي: لا أعلم هذا الذي ادَّعَوْه شريكاً له. وقد سبق بيان ما بعد هذا «١» إلى قوله تعالى: لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ وفيه قولان: أحدهما: ليس له استجابة دعوة، قاله السدي. والثاني:

ليس له شفاعة، قاله ابن السائب.

قوله تعالى: وَأَنَّ مَرَدَّنا إِلَى اللَّهِ أي: مَرْجِعنا والمعنى أنه يجازينا بأعمالنا. وفي المُسْرِفين قولان قد ذكرناهما عند قوله عزّ وجلّ: مُسْرِفٌ كَذَّابٌ «٢» .

قوله تعالى: فَسَتَذْكُرُونَ ما أَقُولُ لَكُمْ وقرأ ابن مسعود، وأبو العالية، وأبو عمران الجوني، وأبو رجاء: «فستَذَكَّرونَ» بفتح الذال وتخفيفها وتشديد الكاف وفتحها وقرأ أُبيُّ بن كعب، وأيوب السختياني بفتح الذال والكاف وتشديدهما جميعاً. أي: إَذا نزل العذاب بكم، ما أقول لكم في الدنيا من النصيحة؟! وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ أي: أَرُدُّه، وذلك أنهم تواعدوه لمخالَفَتِهِ دينَهم إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ أي: بأوليائه وأعدائه. ثم خرج المؤمن عنهم، فطلبوه فلم يقدروا عليه، ونجا مع


(١) البقرة: ١٢٩، طه: ٨٢.
(٢) غافر: ٢٨. [.....]

<<  <  ج: ص:  >  >>