للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والثاني: أنها ترجع إلى الأرض، قاله ابن زيد فعلى هذا يكون المعنى: يذرؤكم فيما خلق من السموات والأرض. والثالث: أنها ترجع إلى الجَعْل المذكور، ثم في معنى الكلام قولان: أحدهما:

يعيِّشكم فيما جعل من الأنعام، قاله مقاتل، والثاني: يخلُقكم في هذا الوجه الذي ذكر مِنْ جَعْلِ الأزواج، قاله الواحدي. والقول الثاني: أن «فيه» بمعنى «به» والمعنى: يكثرِّكم بما جعل لكم، قاله الفراء والزجاج. قوله تعالى: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ قال ابن قتيبة: أي: ليس كَهُوَ شيء، والعرب تُقيم المِثْلَ مُقام النَّفْس، فتقول: مِثْلي لا يُقال له هذا، أي: أنا لا يُقال لي هذا. وقال الزجاج: الكاف مؤكِّدة والمعنى: ليس مِثْلَه شيءٌ، وما بعد هذا قد سبق بيانه «١» إلى قوله: شَرَعَ لَكُمْ أي: بيَّن وأوضح مِنَ الدِّينِ ما وَصَّى بِهِ نُوحاً وفيه ثلاثة أقوال: أحدها: أنه تحليل الحلال وتحريم الحرام، قاله قتادة. والثاني: تحريم الأخوات والأُمَّهات، قاله الحكم. والثالث: التوحيد وترك الشِّرك. قوله تعالى:

وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ أي: من القرآن وشرائع الإِسلام. قال الزجاج: المعنى: وشرع الذي أوحينا إليك وشرع لكم ما وصَّى به إبراهيم وموسى وعيسى. وقوله: أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ تفسير قوله: وَما وَصَّيْنا بِهِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى وَعِيسى وجائز أن يكون تفسيراً ل ما وَصَّى بِهِ نُوحاً ولقوله: وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ ولقوله: وَما وَصَّيْنا بِهِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى وَعِيسى، فيكون المعنى: شرع لكم ولِمَن قبلكم إقامة الدِّين وترك الفُرقة، وشرع الاجتماع على اتِّباع الرُّسل. وقال مقاتل: أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ يعني التوحيد وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ أي لا تختلفوا كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ أي عَظُمَ على مشركي مكة ما تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ يا محمد من التوحيد.

قوله تعالى: اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ أي: يَصطفي من عباده لِدِينه مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي إِلى دِينه، مَنْ يُنِيبُ أي: يَرجع إِلى طاعته. ثم ذكر افتراقهم بعد أن أوصاهم بترك الفُرقة، فقال: وَما تَفَرَّقُوا يعني أهل الكتاب إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ فيه ثلاثة أقوال: أحدها: من بعد كثرة عِلْمهم للبغي.

والثاني: من بعد أن علموا أن الفُرقة ضلال. والثالث: من بعد ما جاءهم القرآن، بغياً منهم على محمّد صلّى الله عليه وسلّم. وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ في تأخير المكذِّبين من هذه الأُمَّة إلى يوم القيامة، لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بإنزال العذاب على المكذِّبين وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتابَ يعني اليهود والنصارى مِنْ بَعْدِهِمْ أي: من بعد أنبيائهم لَفِي شَكٍّ مِنْهُ أي: من محمّد صلّى الله عليه وسلّم.

[سورة الشورى (٤٢) : الآيات ١٥ الى ١٦]

فَلِذلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ وَقُلْ آمَنْتُ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتابٍ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ اللَّهُ رَبُّنا وَرَبُّكُمْ لَنا أَعْمالُنا وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ لا حُجَّةَ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمُ اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ (١٥) وَالَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ ما اسْتُجِيبَ لَهُ حُجَّتُهُمْ داحِضَةٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ وَلَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ (١٦)

قوله تعالى: فَلِذلِكَ فَادْعُ قال الفراء: المعنى، فالى ذلك، تقول: دعوتُ إلى فلان، ودعوت


(١) الرعد: ٢٦، الزمر: ٦٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>