للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لفلان، و «ذلك» بمعنى «هذا» ، وللمفسّرين فيه قولان «١» : أحدهما: أنه القرآن، قاله ابن السائب.

والثاني: أنه التوحيد، قاله مقاتل. قوله تعالى: وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ يعني أهل الكتاب، لأنهم دعَوه إلى دينهم. قوله تعالى: وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ قال بعض النحويِّين: المعنى: أًمِرْتُ كي أَعْدِلَ. وقال غيره: المعنى: أُمِرْتُ بالعَدْل. وتقع «أُمِرْتُ» على «أن» ، وعلى «كي» ، وعلى «اللام» يقال: أُمِرْتُ أن أعدل، وكي أعدل، ولأعدل. ثم في ما أُمِرَ أن يَعْدِلَ فيه قولان: أحدهما: في الأحكام إذا ترافعوا إليه.

والثاني: في تبليغ الرسالة. قوله تعالى: اللَّهُ رَبُّنا وَرَبُّكُمْ أي: هو آلهنا وإن اختلفنا، فهو يجازينا بأعمالنا، فذلك قوله: لَنا أَعْمالُنا أي: جزاؤها. لا حُجَّةَ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمُ قال مجاهد: لا خصومة بينَنا وبينَكم.

فصل: وفي هذه الآية قولان: أحدهما: أنها اقتضت الاقتصار على الإنذار، وذلك قبل القتال، ثم نزلت آية السيف فنسختْها، قاله الأكثرون. والثاني: أن معناها: إن الكلام- بعد ظُهور الحُجج والبراهين- قد سقط بيننا، فعلى هذا هي مُحْكَمة، حكاه شيخنا عليّ بن عبيد الله عن طائفة من المفسرين.

قوله تعالى: وَالَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللَّهِ أي: يُخاصِمون في دِينه. قال قتادة: هم اليهود، قالوا:

كتابُنا قَبْلَ كتابكم، ونبيُّنا قبل نبيِّكم، فنحن خيرٌ منكم. وعلى قول مجاهد: هم المشركون، طمعوا أن تعود الجاهلية. قوله تعالى: مِنْ بَعْدِ ما اسْتُجِيبَ لَهُ أي: من بعد إجابة الناس إلى الإسلام حُجَّتُهُمْ داحِضَةٌ أي: خصومتهم باطلة.

[سورة الشورى (٤٢) : الآيات ١٧ الى ٢٠]

اللَّهُ الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزانَ وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ (١٧) يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِها وَالَّذِينَ آمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْها وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَقُّ أَلا إِنَّ الَّذِينَ يُمارُونَ فِي السَّاعَةِ لَفِي ضَلالٍ بَعِيدٍ (١٨) اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبادِهِ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ وَهُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ (١٩) مَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيا نُؤْتِهِ مِنْها وَما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ (٢٠)

قوله تعالى: اللَّهُ الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتابَ يعني القرآن بِالْحَقِّ أي: لم ينزله لغير شيء وَالْمِيزانَ فيه قولان: أحدهما: أنه العدل، قاله ابن عباس، وقتادة، والجمهور. والثاني: أنه الذي يوزَن به، حكي عن مجاهد. ومعنى إِنزاله إلهامُ الخَلْق أن يَعملوا به، وأمرُ الله عزّ وجلّ إيّاهم بالإِنصاف.

وسمِّي العَدْلُ ميزاناً لأن الميزان آلة الإِنصاف والتسوية بين الخَلْق. وتمام الآية مشروح في الأحزاب «٢» .


(١) قال الزمخشري رحمه الله في «الكشاف» ٤/ ٢٢٠: فلأجل ذلك التفرق ولما حدث سببه من تشعب الكفر شعبا (فَادْعُ) إلى الاتفاق والائتلاف على الملة الحنيفة القديمة (وَاسْتَقِمْ) عليها وعلى الدعوة إليها كما أمرك الله (وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ) المختلفة الباطلة بما أنزل الله من كتاب، أي كتاب صح أن أنزله، يعني الإيمان بجميع الكتب المنزلة، لأن المتفرقين آمنوا ببعض وكفروا ببعض. وقال ابن كثير رحمه الله في «تفسيره» ٤/ ١٢٩: اشتملت هذه الآية على عشر كلمات مستقلة، كل منها منفصلة عن التي قبلها، حكم برأسه، قالوا: ولا نظير لها سوى آية الكرسي، فإنها أيضا عشرة فصول كهذه.
(٢) الأحزاب: ٦٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>