للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَقُولُونَ هَلْ إِلى مَرَدٍّ مِنْ سَبِيلٍ؟ وَتَراهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْها أي: على النار خاشِعِينَ أي: خاضعين متواضعين مِنَ الذُّلِّ يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ وفيه أربعة أقوال: أحدها: من طَرْفٍ ذليل، رواه العوفي عن ابن عباس، وبه قال مجاهد، وقال الأخفش: ينظُرون من عين ضعيفة. وقال غيره: «مِنْ» بمعنى «الباء» . والثاني:

يسارِقون النظر، قاله قتادة، والسدي. والثالث: ينظُرون ببعض العَيْن، قاله أبو عبيدة. والرابع: أنهم ينظُرون إلى النار بقلوبهم، لأنهم قد حُشروا عُمْياً، فلم يَرَوها بأعيُنهم، حكاه الفراء، والزجاج، وما بعد هذا قد سبق بيانه «١» إلى قوله: يَنْصُرُونَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أي: يمنعونهم من عذاب الله.

[سورة الشورى (٤٢) : الآيات ٤٧ الى ٥٠]

اسْتَجِيبُوا لِرَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ ما لَكُمْ مِنْ مَلْجَإٍ يَوْمَئِذٍ وَما لَكُمْ مِنْ نَكِيرٍ (٤٧) فَإِنْ أَعْرَضُوا فَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً إِنْ عَلَيْكَ إِلاَّ الْبَلاغُ وَإِنَّا إِذا أَذَقْنَا الْإِنْسانَ مِنَّا رَحْمَةً فَرِحَ بِها وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَإِنَّ الْإِنْسانَ كَفُورٌ (٤٨) لِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ ما يَشاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ إِناثاً وَيَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ الذُّكُورَ (٤٩) أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْراناً وَإِناثاً وَيَجْعَلُ مَنْ يَشاءُ عَقِيماً إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ (٥٠)

قوله تعالى: اسْتَجِيبُوا لِرَبِّكُمْ أي: أجيبوه، فقد دعاكم برسوله مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ وهو يوم القيامة لا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ أي: لا يَقدر أحد على رَدِّه ودفعه ما لَكُمْ مِنْ مَلْجَإٍ تلجؤون إليه، وَما لَكُمْ مِنْ نَكِيرٍ قال مجاهد: من ناصر ينصُركم، وقال غيره: من قُدرة على تغيير ما نزل بكم. فَإِنْ أَعْرَضُوا عن الإِجابة فَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً لحفظ أعمالهم إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلاغُ أي: ما عليك إلاّ أن تبلِّغهم. وهذا عند المفسرين منسوخ بآية السيف. قوله تعالى: وَإِنَّا إِذا أَذَقْنَا الْإِنْسانَ مِنَّا رَحْمَةً فَرِحَ بِها قال المفسرون: المراد به: الكافر والرحمة: الغنى والصحة والمطر ونحو ذلك، والسَّيِّئة:

المرض والفقر والقحط ونحو ذلك، والإنسان هاهنا: اسم جنس، فلذلك قال: وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ أي: بما سلف من مخالفتهم فَإِنَّ الْإِنْسانَ كَفُورٌ بما سلف من النّعم. لِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أي: له التصرُّف فيها بما يريد، يَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ إِناثاً يعني البنات ليس فيهنّ ذكر، كما وهب للوط صلّى الله عليه وسلّم، فلم يولَد له إلاَ البنات وَيَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ الذُّكُورَ يعني البنين ليس معهم أُنثى، كما وهب لإبراهيم عليه الصّلاة والسلام، فلم يولد له إِلا الذًّكور. أَوْ يُزَوِّجُهُمْ يعني الإناث والذُّكور، قال الزجاج: ومعنى «يُزَوِّجُهُمْ» : يَقْرُنُهم، وكل شيئين يقترن أحدهما بالآخر، فهما زوجان، ويقال لكل واحد منهما: زوج، تقول: عندي زوجان من الخِفاف، يعني اثنين. وفي معنى الكلام للمفسرين قولان: أحدهما: أنه وضْعُ المرأة غلاماً ثم جارية ثم غلاماً ثم جارية، قاله مجاهد، والجمهور. والثاني: أنه وضْعُ المرأة جاريةً وغلاماً توأمين، قاله ابن الحنفية. قالوا: وذلك كما جمع لمحمّد صلّى الله عليه وسلّم فإنه وهب له بنين وبنات، وَيَجْعَلُ مَنْ يَشاءُ عَقِيماً لا يولد له، كيحيى بن زكريا عليهما السلام. وهذه الأقسام موجودة في سائر الناس، وإنما ذكروا الأنبياء تمثيلا.


(١) الأنعام: ١٢، هود: ٣٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>