للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

زعموا أن الملائكةَ بناتُ الله والمعنى: جَعلوا له نصيباً من الولد، قال الزجاج: وأنشدني بعض أهل اللغة بيتاً يدل على أن معنى «جزءٍ» معنى الإِناث- ولا أدري البيت قديم أو مصنوع:

إِنْ أَجْزَأَتْ حُرَّةٌ، يَوْماً، فلا عجب ... قد تجزئ الحُرَّةُ المِذْكارُ أَحْيانا

أي: آنثت، ولدت أُنثى.

قوله تعالى: إِنَّ الْإِنْسانَ يعني الكافر لَكَفُورٌ أي: جحود لنعم الله عزّ وجلّ مُبِينٌ أي: ظاهرُ الكُفر. ثم أنكر عليهم فقال: أَمِ اتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَناتٍ وهذا استفهام توبيخ وإِنكار وَأَصْفاكُمْ أي: أخلَصَكم بِالْبَنِينَ. وَإِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِما ضَرَبَ لِلرَّحْمنِ مَثَلًا أي: بما جعل لله شبها، وذلك أن ولد كلِّ شيء شبهه وجنسه. والآية مفسرة في النّحل «١» .

قوله تعالى: أَوَمَنْ يُنَشَّؤُا قرأ حمزة، والكسائي، وخلف، وحفص: «يُنَشَّأُ» بضم الياء وفتح النون وتشديد الشين وقرأ الباقون: بفتح الياء وسكون النون. قال المبرِّد: تقديره: أو يَجَعلون من ينشأ فِي الْحِلْيَةِ قال أبو عبيدة: الحِلْية: الحِلَى. قال المفسرون: والمراد بذلك: البنات، فإنهنُ ربِّين في الحُلِيِّ. والخصام بمعنى المُخاصَمة، غَيْرُ مُبِينٍ حُجَّةً. قال قتادة: قلَّما تتكلَّم امرأة بحُجَّتها إلاّ تكلَّمتْ بالحُجَّة عليها. وقال بعضهم: هي الأصنام.

[سورة الزخرف (٤٣) : الآيات ١٩ الى ٢٥]

وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبادُ الرَّحْمنِ إِناثاً أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهادَتُهُمْ وَيُسْئَلُونَ (١٩) وَقالُوا لَوْ شاءَ الرَّحْمنُ ما عَبَدْناهُمْ ما لَهُمْ بِذلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ (٢٠) أَمْ آتَيْناهُمْ كِتاباً مِنْ قَبْلِهِ فَهُمْ بِهِ مُسْتَمْسِكُونَ (٢١) بَلْ قالُوا إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلى آثارِهِمْ مُهْتَدُونَ (٢٢) وَكَذلِكَ ما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلاَّ قالَ مُتْرَفُوها إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلى آثارِهِمْ مُقْتَدُونَ (٢٣)

قالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آباءَكُمْ قالُوا إِنَّا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ كافِرُونَ (٢٤) فَانْتَقَمْنا مِنْهُمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (٢٥)

قوله تعالى: وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ قال الزجاج: الجَعْل هاهنا بمعنى القول والحكم على الشيء، تقول: قد جعلتُ زيداً أعلَم الناسِ، أي: قد وصفته بذلك وحكمت به. قال المفسرون: وجَعْلُهم الملائكة إِناثاً قولُهم: هُنَّ بناتُ الله. قوله تعالى: الَّذِينَ هُمْ عِبادُ الرَّحْمنِ قرأ ابن كثير، ونافع، وابن عامر، ويعقوب، وأبان عن عاصم، والشيزري عن الكسائي: «عِنْدَ الرحمن» بنون من غير ألف، وقرأ الباقون: «عِبادُ الرحمن» ومعنى هذه القراءة: جعلوا له من عباده بنات. والقراءة الأُولى موافقة لقوله:

إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ «٢» ، وإِذا كانوا في السماء كان أَبْعَدَ للعِلْم بحالهم. أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ قرأ نافع، والمفضل عن عاصم: «أَأُشْهِدوا» بهمزتين، الأولى مفتوحة والثانية مضمومة. وروى المسيّبي عن نافع:

«أَوُ شْهِدوا» ممدودة من أشْهدْتُ، والباقون لا يُمدُّون. «أشَهِدوا» من شَهِدْتُ، أي: أحَضَروه فعرَفوا أنهم إِناث؟! وهذا توبيخ لهم إِذ قالوا فيما يُعْلَم بالمشاهَدة من غير مشاهَدة. سَتُكْتَبُ شَهادَتُهُمْ على الملائكة أنها بنات الله.


(١) النحل: ٥٨.
(٢) الأعراف: ٢٠٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>