للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

منك، كما يقال: رجل عَدْل، وامرأة عَدْل. وقد بيّنّا استثناء إبراهيم ربّه عزّ وجلّ مما يعبدون عند قوله:

إِلَّا رَبَّ الْعالَمِينَ «١» . قوله تعالى: وَجَعَلَها يعني كلمة التوحيد، وهي: «لا إِله إِلا الله» ، كَلِمَةً باقِيَةً فِي عَقِبِهِ أي: فيمن يأتي بعده من ولده، فلا يزال فيهم موحِّد لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ إَلى التوحيد كلُّهم إِذا سمعوا أن أباهم تبرَّأ من الأصنام ووحّد الله عزّ وجلّ.

ثم ذكر نعمته على قريش فقال: بَلْ مَتَّعْتُ هؤُلاءِ وَآباءَهُمْ والمعنى: إِنِّي أجزلتُ لهم النِّعَم ولم أُعاجلهم بالعقوبة حَتَّى جاءَهُمُ الْحَقُّ وهو القرآن وَرَسُولٌ مُبِينٌ وهو محمّد صلّى الله عليه وسلّم، فكان ينبغي لهم أن يقابِلوا النِّعَم بالطاعة للرسول، فخالفوا. وَلَمَّا جاءَهُمُ يعني قريشاً في قول الأكثرين. وقال قتادة: هم اليهود. والْحَقُّ القرآن.

[سورة الزخرف (٤٣) : الآيات ٣١ الى ٣٥]

وَقالُوا لَوْلا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ (٣١) أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَرَفَعْنا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيًّا وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (٣٢) وَلَوْلا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً لَجَعَلْنا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِنْ فِضَّةٍ وَمَعارِجَ عَلَيْها يَظْهَرُونَ (٣٣) وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْواباً وَسُرُراً عَلَيْها يَتَّكِؤُنَ (٣٤) وَزُخْرُفاً وَإِنْ كُلُّ ذلِكَ لَمَّا مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَالْآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ (٣٥)

قوله تعالى: وَقالُوا لَوْلا أي: هلاّ نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ أمّا القريتان، فمكَّة والطائف، قاله ابن عباس، والجماعة وأمّا عظيم مكَّة، ففيه قولان «٢» : أحدهما: الوليد بن المغيرة القرشي، رواه العوفي وغيره عن ابن عباس، وبه قال قتادة، والسدي. والثاني: عُتبة بن ربيعة، قاله مجاهد. وفي عظيم الطائف خمسة أقوال: أحدها: حبيب بن عمرو بن عمير الثقفي، رواه العوفي عن ابن عباس. والثاني: مسعود بن عمرو بن عبيد الله، رواه الضحاك عن ابن عباس. والثالث: أنه أبو مسعود عروة بن مسعود الثقفي، رواه ليث عن مجاهد، وبه قال قتادة. والرابع: أنه ابن عَبْد ياليل، رواه ابن أبي نجيح عن مجاهد. والخامس: كنانة بن عبد بن عمرو بن عمير الطائفي، قاله السّدّيّ.

فقال الله عزّ وجلّ ردّا عليهم وإنكارا: أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ يعني النُّبوَّة، فيضعونها حيث شاؤوا، لأنهم اعترضوا على الله بما قالوا. نَحْنُ قَسَمْنا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ المعنى أنه إِذا كانت الأرزاق بقَدَر الله، لا بحول المحتال- وهو دون النُّبوَّة- فكيف تكون النًّبوَّة؟! قال قتادة: إِنك لَتَلْقَى ضعيفَ الحِيلة عَييَّ اللِّسان قد بُسِطَ له الرِّزْقُ، وتَلْقَى شديدَ الحِيلة بسيط اللسان وهو مقتور عليه. قوله تعالى: وَرَفَعْنا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ فيه قولان: أحدهما: بالغنى والفقر. والثاني: بالحرية والرق لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيًّا

وقرأ ابن السميفع، وابن محيصن: «سِخْرِيّاً» بكسر السين. ثم فيه قولان: أحدهما:

يستخدم الأغنياء الفقراء بأموالهم، فَيَلْتَئِمُ قِوامَ العالَم، وهذا على القول الأول. والثاني: ليملك بعضُهم بعضاً بالأموال فيتَّخذونهم عبيداً، وهذا على الثاني. قوله تعالى: وَرَحْمَتُ رَبِّكَ فيها قولان: أحدهما:


(١) الشعراء: ٧٧.
(٢) قال ابن كثير في «تفسيره» ٤/ ١٥٠: والظاهر أن مرادهم رجل كبير من أي البلدتين كان. وبه قال الطبري.

<<  <  ج: ص:  >  >>